يفكر المختصون الآن بعمق في المشاكل التي أثارها العلم بشأن المصير المتوقع للكون ويقول العلماء أنه رغم أن المستقبل البعيد للكون غير مؤكد فهناك عدة احتمالات تدل على النهاية فقد تتجمع النجوم في كل مجرة للتحول جميعها إلى ثقب أسود! كما يتوقع علماء الفيزياء تحول الثقوب السوداء إلى إشعاع!..

وهناك من بين الأفكار الواردة ما يعتقده العلماء أن البروتون وهو أصل المادة ما هو إلا جسيم مشبع ذاتياً وبذلك فإن مصير ذرات المادة في هذا الكون إلى الزوال والفناء والتحول إلى إشعاع بعد بلايين السنين! ويثير العلماء أيضاً قضية وجود المادة المضادة! ويتساءلون لماذا لا نفترض وجود مجرات كاملة من المادة المضادة بنفس مقدار المجرات المصنوعة من المادة العادية!، وأن هذين النوعين من المادة والمادة المضادة تكوّنا عند نشأة الكون في البيج بانج
(big bang) بنفس المقدار وهما حالياً يتباعدان، ولكنهما سوف يلتقيان عند انكماش الكون في المستقبل مما سيؤدي حتماً إلى زوال هذا الكون بتحوله إلى إشعاع ناتج من التقاء المادة بالمادة المضادة.

وفي الوقت الحاضر وفي وسط هذا الكم الهائل من التوقعات فإن الإكتشافات العلمية الجديدة في علوم الفيزياء والفلك قد تزيح الستار عن بعض هذه الأمور الغامضة! ولكن ما يهمنا  الآن هو اعتراف العلماء اعترافاً صريحاً بأن الكون الحالي سوف ينتهي.. فالنجوم لا بد وأن تنطفي لأن (مصير وقود) الهيدروجين إلى النفاذ، وستموت جميع النجوم وستنتهي الحياة كلها من جميع الكواكب بل وقد تموت  المادة نفسها ويتحول الكون كله إلى إشعاع !

فتأمل أيها القارئ الزوال المتوقع للكون طبقا للآية القرآنية التالية كما في قوله تعالى:

إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده“. [فاطر: 41]

ومفهوم الزوال ربما يرتبط علمياً بوجوده المادة والمادة المضادة كظاهرة كونية ضمن معاني الآية القرآنية التالية في قوله تعالى:” ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكّرون“.[الذاريات:49].

 

آيات الخلق والإعادة

 

وقد يجدر بنا أن نذكر في هذا الصدد آيات أخرى تحمل نفس المعنى وهي:-“أمن ببدؤ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أءله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين“[النمل:64]

أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير* قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشىء النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير” [العنكبوت 19- 20 ]

إنه هو يبدؤ الخلق ويعيد ” [البروج 12]

وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السمواوت والأرض وهو العزيز الحكيم“[الروم27].

قل هل من شركائكم من يبدؤ الخلق ثم يعيده قل الله يبدؤ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون“[يونس:34].

إنه يبدؤ الخلق ثم يعيده  ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط“[يونس:4].

آيات كريمة تعيد على مسامعنا وعلى تصورنا موضوع بدأ الخروق ونهايته وتكرر ذلك في مواضع مختلفة وبصور متباينة لتنبهنا إلى أهمية  هذا الحدث في وجود وفي وجود الكون كله . والمعنى  العام الذي نفهمه هنا من بدء الخلق هو بدء خلق الكون بكل ما فيه ، مما نراه بأعيننا المجردة  ومما لا نراه حتى بأقوى التلسكوبات والميكروسكوبات وربما لن نستطيع أن تراه، ومما نعلمه بعلمنا وتوصلنا إليه بمنطقنا وبحساباتنا ومما لا نعلمه بهذا العلم وقد يظل  سراً من أسرار الخالق والخلق. فهذا هو المعنى العام لبدء الخلق وهو المعنى الذي نفهمه من الآية الكريمة:” يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين“.

إن هذا الكون الذي قدرت أبعاده بنيف وعشرين بليون سنة ضوئية وكتلته بأزيد من 5510 طناً أي 10 بليون بليون بليون بليون بليون بليون وهذا الرقم أكبر من وزن الكرة الأرضية بـ مليون بليون بليون بليون مرة ليبدو في يد خالقه كصحائف الكتاب في يد قارئه، إنه تشبيه رائع يحتاج منا أن نقف أمامه نتأمله ونعيد الفكر فيه.

فهو يخبرنا اولاً أنه مهما اتسع الكون وكثرت محتوياته وثقل وزنه فهو لن يكبر أو يستعصي على خالقه بل سيطويه في سهولة ويسر كما يطوي صاحب السجل صحائفه ويؤيد لنا العزيز القدير هذه الحقيقة في آية أخرى بقوله: إن ذلك على الله يسيرأولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير” وفي آية أخرى “وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض“.

ويشبه لنا ثانياً الكون بالصحائف المستوية،وقد يكون الكون مستوياً فعلاً وهي الحالة بين الكون المنغلق والمنفتح عندما تكون كثافة الكون تساوي الكثافة الحرجة وهذا ما يرجحه كثير من الفلكيين. وقد يبدو لنا مستوياً- وإن كان حقيقة غير ذلك- بسبب عظمة حجمه وضخامته كما بدت الأرض لسكانها مستوية حتى اكتشفوا أنها كروية. وهنا نرى مدى قرب تشبيه الكون لصفحات السجل، استواء نراه في الكون من كل جانب حتى يخيل لنا أنه فعلاً مستوي- وقد يكون كذلك- لاستواء الصحائف. ويربط أذهاننا ثالثاً بعملية انكماش الكون وانهياره فتشبيه طيّ الكون بطيّ الصحائف هو تشبيه تفوق روعته أي وصف ولا يمكن أن يصدر إلا من الحكيم العليم الذي خلق هذا الكون. فبعد تمدّد الكون واتساعه إلى ما هو عليه الآن- أو إلىما سوف يصبح عليه في المستقبل- يطوي الخالق هذا الكون بكل ما فيه فيعود هذا الشيء الذي كبر واتسع إلى ما كان عليه. وكأننا نشاهد أمام أعيننا فيلماً معكوساً لتمدد الكون نرى نجومه في اقتراب مستمر ونرى مجراته تنضغط وتنكبس ويصغر حجمها والكون ينطوي إلىما كان عليه. ثم يجيء بعد ذلك التأكيد أنه هكذا بدأ الكون وهكذا سينتهي إلى ما كان عليه في البداية قال تعالى: “كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين” فقد كان هذا هو قرار الخالق قبل نشأة الكون أنه يعيده في يوم من الأيام إلى ما كان عليه في البداية إلى نقط لانهائية الكثافة ودرجة الحرارة أو إلى شيء آخر لا يعلمه إلا هو.

إن تلك العملية المسماة الانسحاق الشديد (The Big Crunch) والآية الكريمة السابقة تصف وصفاً إجمالياً غاية في الدقة والإحكام والإيجاز، فالعرب كانوا قديماً يكتبون العقود والمواثيق والعهود في ورقة ثم يطوونها وهذا هو طي السجل لما هو مكتوب، كذلك فإن غلاف الكتاب يطوي صفحات الكتاب في عملية إغلاق لمحتواها،وعملية الانسحاق الشديد عملية مشابهة لعملية طي السجل للكتابة المدوّنة فيه أو طي الكتاب لصفحاته وهذه دقة بالغة، وصورة من صور الإعجاز القرآني ويأتي العلم في نهاية القرن العشرين ليستنتج من عملية توسع الكون الحالية نهاية مشابهة تماماً- لما رواه ربنا تبارك وتعالى لنا في حكم كتابه منذ ألف واربعماية من السنين.

وإن عملية انكماش الكون وانهياره على نفسه، هذا الانهيار الهائل إلى نقطة بدايته لهو أقرب تفسير يستطيع العلم أن يقدمه حالياً لطيّ الكون أو طي السماء إلى ما كانت عليه في بداية الخلق ومع ذلك فهناك بعض الملاحظات التي يجب أن نأخذها في الاعتبار….

الأولى: التعبير العلمي أو الإنساني لعملية الانكماش الذي يتبعه إنهيار هائل هو انعكاس لما يراه أو يتصوره الإنسان في هذا الحدث الهائل من قوة وعنف تفوق مقدرته وطاقاته بل وخياله – كمخلوق فوق هذا الكوكب الذي هو أحد الكواكب التابعة للشمس التي تعتبر واحدة من بلايين النجوم التي تقع في أحد أجنحة مجرة هي واحدة من بلايين المجرات في هذا الكون- عندما يحاول وصف نهاية هذا الكون وما يحتويه!

ومن ناحية أخرى نرى في التعبير القرآني لطيّ السماء أو الكون هدوءاً يعكس مقدرة الخالق المقتدر الذي يصدر منه هذا الحديث، فنهاية الكون كله بالنسبة إليه ليس بأكثر من عمل سهل هيّن نقوم به نحن كل يوم ألا هو طي بعض الصحف ليس فيه عناء على الخالق كما لا يسبب طي الصحف أي عناء لنا.

الثانية: إذا كان انتهاء حسب التفسير العلمي بانكماشه ثم انهياره يساعدنا في فهم الأية الكريمة وفي تفسير طي السماء الآن وإعادة الكون إلى ما بدأ منه، بل الأكثر  من ذلك نجد فيه اتفاقاً كبيراً مع النص القرآني فليس معنى ذلك أن هذا هو التفسير الوحيد للآية الكريمة، فالطي الإلهي للكون ممكن أن يتخذ صورة نموذج الانكماش والانهيار، وممكن أن يتم بصورة أخرى قد نعلمها وقد لا نعلمها. كذلك الزمن الذي تستغرقه عملية الطيّ ممكن أن يكون هو نفس الزمن الذي تستغرقه عملية الانكماش والانهيار ونفس الزمن الذي استغرقته عملية التمدد والاتساع أي حوالي 15 بليون عام، وقد يكون أطول من ذلك أو أقل وقد يتم في أقل من لمح البصر قال تعالى: ” ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون” [الزمر 68]. فالكون – إو إن شئت سمّه الفضاء والزمن- هما مخلوقات مما خلق الله ولن يستنكف أي منهما أن يؤدي مراسيم الطاعة والولاء الكاملين لخالقهما، فالذي خلق السماوات قادر على أن يعيد خلقهن أو أن يخلق مثلهن في نفس الصورة في صورة مختلفة في نفس الزمن أو في زمن آخر، “أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاّق العظيم” [ يس:17-99]. فلابد لنا من أن نعطي الخالق – الذي خلق هذا الكون والذي سيطويه كما يطوى خازن الصحائف صحائفه في سهولة ويسر – حق قدره: “وما قدروا الله حق قدره والارض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون” [الزمر:39-67]

      (آيات قرآنية في مشكاة العلم د. يحيى سعيد المحجري ص58-61)

وأما قوله تعالى: كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين) فهذا عائد إلى حشر المخلوقات يوم القيامة كما خلقوا أول مرة، وهذا ما يوضحه الحديث الآتي:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: ” إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا” ثم قرأ قوله تعالى: “كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين“، ألا إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام.

وقد ورد في تفسير الجلالين: كما بدأنا أول خلق من عدم نعيده بعد إعدامه، أي نعيد خلقه مرة ثانية بعد أن يصبح عدماً.

وهذا يمكننا القول: كما بدأ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من تراب، سيعيد خلقه ثانية بعد أن تحلل جسمه في الأرض وصار تراباً.

إذ ستطوى السماء يوم القيامة، وهذا عكس لحالة تمددها (وإنا لموسعون) لكن عملية طي السماء لا تفيد في معناها زمنياً مثل الزمن الذي حدث فيه توسع السماء حيث يجب الانتباه إلى هذا جيداً. فالله سبحانه وتعالى القادر القاهر إذا قال لشيء كن فيكون. فكلمة نطوي: تفيد الفعل في وقت قصير هو وقت الطي، أي نطوي حالاً أما كلمة لموسعون فهي تفيد الاستمرار في التوسع، وهذا منذ اليوم الذي خلق الله فيه السماوات والأرض حتى يوم القيامة، وهو اليوم الذي يحدث فيه الطي بأمر الله سبحانه.

 

قال عزّ من قائل:

(وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) [الزمر 67].

قال المفسرون: السماوات مجموعات بقدرته سبحانه وتعالى.

وفي الحديث الشريف: (يقبض الله تعالى الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض) رواه البخاري.

وبعد عملية الطي هذه، ما هو المصير الذي تؤول إليه السماء؟

هذا ما يخبرنا به سبحانه وتعالى بقوله:

(يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار) [ابراهيم 48].

إذاً لن تعود السماء في العدم، لكن ستطوى إلى حد يعلمه الله عز وجل، ثم ستبدل السموات بغيرها، فبعد الضعف الذي يحدث في السماوات، والتشقق الذي يطرأ عليها، سوف تفتح أبواباً بأمر الله سبحانه وتعالى وقدرته ثم تكشط وتنزع ثم يطويها الله الملك الجبار وبعدها سيبدلها الله سبحانه بسماوات غيرها لانعلم عنها شيئاً لا شكلاً ولا كيفية.

بل هذا بعلم الله وحده، فهو العليم الخبير.

(الكون والنظرية النسبية بين القرآن والنظرية
عبدو محمد خير الأحمر –ص103 -105)

 

وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن أرض يوم القيامة وكما في الأحاديث الآتية: 1- روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن سهل بن سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي، ليس فيها عَلَم لأحد، وفي رواية ليس فيها معلم لأحد، والعفر هو بياض يضرب للحمرة، والنقي: الدقيق الخالي من النخالة.

2- وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا  لله الواحد القهار) أين يكون الناس حينئذ؟ قال: على الصراط.