هل نحن بحاجة إلى رمضان ؟
في هذا الشهر نفحات وتجليات وانوار لا تحصى ، وفيه يتنافس فيه المتنافسون ويتسابق المتسابقون ويتوب التائبون . فترتفع الدرجات وتعلوا المقامات
في هذا الشهر نفحات وتجليات وانوار لا تحصى ، وفيه يتنافس فيه المتنافسون ويتسابق المتسابقون ويتوب التائبون . فترتفع الدرجات وتعلوا المقامات


هل نحن بحاجة إلى رمضان في كل عام ؟ سؤال قد يبدو غريبا؟ نعم . . فإن لرمضان طعما إيمانيا وروحيا وتربويا لا يحظى بها شهر آخر ، فإننا نحتاج إلى وقفة تليق بجلال هذا الشهر العظيم الذي خص الله به هذه الأمة دون غيرها من الأمم ، وما ذلك إلا لشرفه الذي لا يعدله شرف في بناء الإنسان وتغيير حياته وقلبه وسلوكه.
والصوم أحد قواعد الدين وأحد أركان الإسلام العظيم ، وأحد منازل الإيمان ومدارج اليقين، وهو عبادة وطاعة، بل هو من أرقى العبادات وأشرفها شأنا وأرفعها مقاما، فلم يفرض الخالق الحكيم الصوم على هذه الأمة وحدها بل فرضها على سائر الأمم التي عمرت الأرض ، ولكن الله اختص هذه الأمة بصيام شهر رمضان وبأنزال كتابه العظبم فيه ، فغيّر بهذا القرآن وبهذا الشهر الكريم الأمة كلها ؛ حياتها وأولوياتها ، اهتماماتها ومثلها العليا، وفيه تشكلت النفوس لأول مرة على منهج جديد ، وفيه أخرجت خير الأمم ، وهو تغيير لا يقدر عليه إلا هذا الدين، ولا تخفى هذه النقلة الفريدة في تاريخ الإنسانية على علماء الاجتماع وعلماء النفس والباحثين عن حقيقة الحياة وسر تغيير الأمم وبنا ء الحضارات وإعادة تشكيل الإنسان.
وفي هذا الشهر تتصحح العقيدة والعبادة والسلوك ، وتتوجه القلوب إلى بارءها وفاطرها ترجو رحمته التي وسعت كل شىء ، وتصفو النفوس كما فطرها أول مرة ،وفي هذا الشهر نفحات وتجليات وانوار لا تحصى ، وفيه يتنافس فيه المتنافسون ويتسابق المتسابقون ويتوب التائبون . فترتفع الدرجات وتعلوا المقامات ، وفي هذا الشهر تقبل الدعوات في الليل والنهار، وعند الإفطار والأسحار، وفيه تسمع أنات الباكين والخاشعين وأنات التائبين النادمين ، وأنات الذين الذين أسرفوا على أنفسهم ولم يقنتوا من الرحمة الألهية التي وسعت كل شىء. أروني دينا كهذا الدين يصدر أوامره للملايين من أتباعه أنه إذا رأيتم هلال رمضان في افق السماء فهلموا واستيقظوا من غفلتكم وأعدوا عدتكم ، فإن رمضان أتاكم يحمل معه موائد الخير على أطباق من نور ، إنه يدعوكم إلى مغفرة الله ورضوانه وإلى جنة عرضها السماوات والأرض ، فتستجيب الأمة الظمأى إلى رحيق الإيمان والتجليات النورانية فتنقلب حياة المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها تغييرا في سلوكها وعبادتها ورؤاها فقد وحّدهم رمضان ؛ فرايت الرجال والنساء ، الصغار والكبار ، العلماء والمتعلمين ، الحكام والمحكومين ، الأغنياء والفقراء ، كلهم جميعا يصومون ، ويمارسون عبادات محددة لا تقديم فيها ولا تاخير، ولا تنقص ولا تزيد، بلا شرطي ولا رقيب ، خاشعة قلوبهم متسارعة أقدامهم إلى بيوت الله ، تركوا طعامهم وشرابهم، تركوا لهوهم وشهواتهم وراء ظهورهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا.
أخبروني أي صدمة تعرض لها هؤلاء ! إنه هذا الدين الذي يفعله في نفوس أتباعه والمؤمنين به أكبر مما فعلته عصا موسى في سحرة فرعون ، إنها الصدمة الحضارية التي تصوم فيها الامة كلها عن المنكر وتتسابق إلى الخير فتغير سلوكياتها وعاداتها وبرامج حياتها – طعامها وشرابها ، ساعات نومها وصحيانها ، وتعيد تقييم موازينها فيرتفع منسوبها الإيماني ويعيد بنائها وأولويات شؤونها وعلاقاتها الاجتماعية فتحدث فيها انقلابا يهزها من أعماقها أن هلموا إلى ربكم ، الصيامَ الصيام َ ، والقيامَ القيام َ، فقد أتتكم البشرى من خالق السماوات والأرض أن هلموا إلى ربكم فقد فتح لكم أبواب جنانه، وأغلق ابواب نيرانه ، وصفد شياطينكم التي تقف حائلا بينكم وبين الهدى، وأنه سيرفع درجاتكم وسيغفر ذنوبكم إن استجبتم له ، وسيدخلكم باب الريان الذي أعده لكم وحدكم.
فهل نحن بحاجة إلى رمضان وفي كل عام ؟