القرآن والجبال

وتشكل الجبال 13.12 % من مساحة الكرة الأرضية بينما تشكل التلال 6.47 % من مساحة الأرض، وكذلك تشكل السهول 9.6 % من مساحة الأرض، بينما تشكل البحار والمحيطات 70.8 % من المساحة العامة للأرض.

وتبلغ مساحة الجبال الإجمالية 75 مليون / ميل2، بينما يبلغ حجم الجبال 2 بليون كم3 مشكلة بذلك 1/830 من حجم الكرة الأرضية الكلي.

المهندس حاتــم البشتـــاوي

1427هـ – 2007م

 

 

الجبـــال

قال تعالى: } أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا {  

الجبال جزء لا يتجزأ من القشرة الأرضية فإذا ما اهتزت القشرة أو رجفت الأرض اهتزت معها الجبال كذلك، قال تعالى: } يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا { [المزمل14].

ويتكون الغلاف الصخري من عدة أنواع من الصخور التي تكوّن القشرة الأرضية التي نعيش عليها، وهي تختلف في مظاهرها حسب الارتفاع عن سطح البحر.

وتشكل الجبال 13.12 % من مساحة الكرة الأرضية بينما تشكل التلال 6.47 % من مساحة الأرض، وكذلك تشكل السهول 9.6 % من مساحة الأرض، بينما تشكل البحار والمحيطات 70.8 % من المساحة العامة للأرض.

وتبلغ مساحة الجبال الإجمالية 75 مليون / ميل2، بينما يبلغ حجم الجبال 2 بليون كم3 مشكلة بذلك 1/830 من حجم الكرة الأرضية الكلي.

والجبال آية عظمى من آياته تعالى في الخلق والإبداع وطلاقة المشيئة، قال تعالى: }وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ{ [النمل88].

وتشكّل الجبال مأوى لأبناء السبيل، وقلاعاً ضد الأعداء، ومخازن للمعادن النفيسة، كالذهب، بل المعادن العادية التي لا تستقيم حياتنا إلا بها كالحديد، والنحاس، إضافة إلى أحجار البناء, والأحجارالنادرة كالزمرد والعقيق والياقوت, وكذلك الحجر الجيري والجرانيت والرخام.

كما تشكّل الجبال أيضاً مأوى للحيوانات والوحوش والطيور والحشرات للوقاية والحماية وتنوع البيئة، وفي الجبال أيضاً بيوت النحل التي تبنيها فيها وبين الأشجار وبين ما يعرش الإنسان.

وقد كان الكهوف والمغارات الموجودة في الجبال مأوى للإنسان وملجأ له في عصوره الأولى، أما في العصر الحجري فقد أوى الإنسان إلى الجبال وكهوفها, أو راح ينحتها ليدرأ عن نفسه الحر والبرد والمطر والحيوانات الكاسرة والمفترسة والسيول والطوفانات.

قال تعالى: }وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ { [الحجر82].

ويوجّه القرآن الكريم القلوب إلى التفكر في عجائب صنع الله في الكون حيث أن كل ما فيه يقود إلى الإيمان بالله الخالق العظيم المدبر، كما دعى القرآن الكريم إلى التفكر في عظمة الجبال وشموخها وأنها الرواسي التي تمنع ميدان الأرض وأنها كذلك أوتاد الأرض تثبتها وتحفظ توازنها، كما جعل فيها رواسي شامخات ثابتات، سامقات، تتجمع على قممها السحب وتنحدر منها مساقط الماء العذب.

 

تعريف الجبال

يعرف الجبل Mountain بأنه نتوء أرضي يرتفع فوق ما يحيط به من سطح الأرض، ويعلو على التل Hill، ويحدّد بعض العلماء 300 متراً فوق سطح الأرض لتسمية المرتفع جبلاً، بينما يحدّد البعض الآخر 610 متراً، وما دون ذلك فهو مرتفع من الروابي أو التلال، وتوجد الجبال منفردة أو متصلة ببعضها فيما يسمى (الطوف الجبلي) الذي يتألف من تتابع من الجبال ذات قمم أو بدون قمم ولكنها متشابهة البنية والموضع والاتجاه والعمر.

وتعرّف الموسوعة البريطانية الجبل بأنه منطقة من الأرض تعلو نسبياً الأراضي المحيطة بها، وعليه فإن ما يدعى بالتلال في مناطق الأطواف الجبلية العظيمة كجبال الهمالايا تعتبر جبالاً إذا وجدت في إطار منطقة أخرى ذات تضاريس أقل، بينما تعرّف الموسوعة الأمريكية الجبل بأنه جزء من سطح الأرض يرتفع فوق مستوى المنطقة المحيطة به، ويتناقص ارتفاع الطوف الجبلي بصفة عامة على مراحل إلى أن يصل إلى السهول، مروراً بمرحلة التلال، ولكن في بعض الحالات يكون الانتقال من الجبل إلى السهل مفاجئاً في شكل منحدر شديد.

ويختلف الجبل عن الهضبة، فالأول مساحة قمته أصغر بكثير من مساحة قاعدته، والثانية تبدو بمساحة شاسعة مرتفعة عن الأرض بلا قمة، كما أن الجبال قلّما توجد في شكل قمم منفصلة أو منعزلة، بل تنتظم في شكل مجموعات متتابعة تعرف بالسلاسل الجبلية.

وكلما أكلت عوامل التعرية من قمم الجبال العالية فإنها تطفو إلى أعلى بفعل دفع مادة وشاح الأرض لها باستمرار، وتستمر هذه العملية حتى يتساوى طول الجزء المغمور من الجبل مع سمك الغلاف الصخري للأرض، فتتوقف حركة الجبل وتظل عوامل التعرية تبريه حتى تظهر الأجزاء السفلى منه على سطح الأرض.

وتظهر هذه الآيات الكريمات بأن السلاسل الجبلية تقف ثابتة راسخة على سطح الأرض بجذورها الممتدة في القسم الأسفل من القشرة الأرضية (طبقة السيما Sima )، وتعمل السلاسل الجبلية الالتوائية على التحام الكتل القارية الأركية القديمة بعضها بالبعض الآخر، وتكوين ما نسميه اليوم بالقارات، كما تقف الجبال على شكل رواسي شامخات ثابتات سامقات، تتجمع فوق هاماتها السحب وتنساب من أعاليها المساقط المائية وأعالي مجاري الأنهار والشلالات بتقدير من العزيز الحكيم، ولم يكتشف العِلم الوضعي أهمية السلاسل الجبلية في حدوث ما أسماه بالتوازن الاستاتيكي للأرض Isostasy إلا في نهاية القرن التاسع عشر.

 

الجبال في اللغة:

(والجبال) والأجبال: جمع (جبل) وهو المرتفع عما حوله من الأرض ارتفاعاً ملحوظاً يجعله يعظم ويطول، ودونه (التل) ودون التل (الربوة) أو (الأكمة)، ودون الأكمة (النجد) أو (الهضبة)، ودون الهضبة (السهل).

ويقال: (أجبل) القوم أي صاروا إلى (الجبال) بمعنى وصلوا إليها، أو دخلوها وسكنوا فيها، ويقال للحية: (ابنة الجبل) لأن الجبل مأواها، كما يقال لصدى الصوت (ابن الجبل) لأن (الجبل) يردّده، ويقال للداهية (ابنة الجبل) لأنها تثقل على النفس كأنها (الجبل).

و (الجَبْلة) و (الجِبلَة) و (الجِبِلَّة) القوة البدنية أو صلابة الأرض و (الجبال): البدن، يقال: فلان (مجبول) أو (خطير الجبال) أي عظيم البدن تشبيهاً بالجبل، و (تجبّل) ما عنده أي استنظفه، و (الجِبْل) أيضاً ساحة البيت، أو الكثير من كل شيء يقال: (مال جبل) و (حي جبل) أي كثير، و (الجَبْل) و (الجبلة) الجماعة من الناس (وفيها قراءات قرئ بها قوله تعالى: } وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا  بكسر الجيم والباء وتشديد اللام، كما قرئ بضم أو فتح الجيم وتسكين الباء، وبضم كل من الجيم والباء وتشديد اللام أو تخفيفها).

و (الجبلة) الخلقة أو الفطرة وأصله الوجه وما استقبَلَكَ منه، ومنه قوله تعالى: ((والجِبِلَّةَ الأولين)) بكسر الجيم أو ضمها وكسر الباء أو تسكينها والجمع (الجبلات) ومنها أخذت تسمية السائل الذي يملأ جدار الخلية الحية باسم الجبلة (البروتوبلازم أو السيتوبلازم).

يقال: (جبله) الله (جبلاً) أي خلقه وفطره، إشارة إلى ما ركب فيه من طباع، و (الجبلى) الفطري، و (الجبلة) الأصل، و (الجبل) الغليظ يقال: فلان ذو (جبلة) أي غليظ الجسم، و (جبل) أي صار كالجبل في الغلظ، ويقال: (جَبَلَ) التراب (جَبْلاً) أي صبّ عليه الماء ودعكه حتى صار طيناً، ويقال (جبّله) أي قطّعه قطعاً شتى، كما يقال فلان (جبل) لا يتزحزح تصوراً لمعنى الثبات فيه.

ورواس: جمع راس وراسية، وأرساه: جعله ثابت الأصل راسخاً.

والأوتاد: قطع من خشب أو حديد تثبت في الأرض والجدار يشدّ بها حبل هو زمام لدابة أو طنب لخيمة ونحو ذلك، والجمع أوتاد.

والجبال أوتاد الأرض على التشبيه، أي تثبت بها الأرض على التشبيه حيث تثبت بها الأرض وتحفظ من الاضطراب.

(بحث د. زغلول النجار)

(من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم أ.د حسن أبو العينين)

 

الجبال في القرآن الكريم

ليس بوسع أي عالم منصف من علماء الجيولوجيا أو الجغرافيا إلا أن يشهد أن القرآن حق، وذلك حينما يتدبّر كلام القرآن عن الجبال، ففي القرآن الكريم نجد أدق وصف للجبال، ونجد أيضاً الكثير من الحقائق عن الجبال التي لم يكتشفها العلماء إلا في القرن العشرين.

وحديث القرآن عن الجبال يشير إلى أقدم الجبال وأطوار نشأتها وينتهي بالإخبار بمآل الجبال بين يدي الساعة.  فتلك أقدم الجبال جعلها الله رواسي للأرض من فوقها لتثبيت الأرض وحفظها من الاضطراب.

والجبال بصفة عامة تعمل على اتزان الأرض، ومن ثم كانت الجبال أوتاداً تثبت الأرض.

وحقاً الجبال خلق عظيم، ولعظم شأنها حثّ القرآن على التفكر فيها، حيث يقول عز وجل: } أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ -(19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) { [الغاشية 17-20].

والجبال تقرن في آيات القرآن مع السماء والأرض:

يقول تعالى: } تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) { [مريم90-91].

والجبال كالكائن الحي تنفعل وتخرّ هداً من هول جريمة ادعاء الولد إلى الله، بل إنها أشفقت من حمل الأمانة؛ يقول تعالى: }إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) { [الأحزاب72].

ووردت كلمة جبل في صيغة المفرد والجمع في القرآن الكريم 39 مرة، منها (6 مرات في صيغة المفرد و 33 مرة في صيغة الجمع) وجاءت الإشارة إليها بالتعبير ((رواسي)) في عشر آيات أخرى، وكذلك وردت كلمة الجبال في (30) آية، وجاء ذكرها في (12) آية تخص بالإشارة إلى ما سيحدث لها في يوم القيامة.

ويمكن تصنيف هذه الإشارات القرآنية للجبال، والتي يبلغ عددها 48 إلى 9 فئات مميّزة على النحو التالي:

  1. آيات تشير إلى شكل مرتفع ارتفاعاً ملحوظاً من الأرض: كما جاء في قوله تعالى: }وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ { [البقرة260].

وقال تعالى: }قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ { [هود43].

  1. آيات تشير بصورة رمزية إلى ضخامة الكتلة الجبلية أو تدل على ارتفاعها وطبيعتها الصلبة الهائلة: وذلك من مثل قوله تعالى: }وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ { [الرعد31].

قوله تعالى: }وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ { [ابراهيم 46].

وقوله تعالى: }وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً { [الإسراء37].

وقوله تعالى: }تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا { [مريم90].

وقوله تعالى: }إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً { [الأحزاب72].

وقوله تعالى: }لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ { [الحشر21].

  1. آيات تذكر كلمة جبال في مقام التشبيه: وذلك مثل قوله تعالى: }وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ { [هود42].

وقوله تعالى: }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ { [النور43].

4   آيات تشير إلى جبال ذات أهمية تاريخية كجبال ثمود،

وإن من منافع الجبال للإنسان والمخلوقات الأخرى على سطح الأرض أن يتخذ منها بيوتاً، حيث نجد أن بعض سكان المناطق الجبلية ينحتون بيوتهم في الجبال أو يقيمونها فوق منحدراتها وقممها، وكان الإنسان القديم يعيش معظم أوقات حياته داخل كهوف الجبال. فقد سخّر الخالق العظيم الجبال لقوم هود ينحتون منها بحذق ومهارة البيوت الفارهة التي توفّر لهم السكن الآمن.

قال تعالى: }وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ { [الأعراف74].

وقال عز من قائل: }وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ { [الحجر82].

وقوله تعالى: }وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ { [الشعراء149].

  1. آيات تشير إلى الجبال التي شهدت بعض المعجزات:

قال تعالى: }وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ { [الأعراف143].

وقوله سبحانه: }وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { [الأعراف171]

  1. آيات تذكر استخدام كل من الإنسان والحيوان والحشرات للجبال كملجأ، حيث يبني النحل بيوته في الجبال والأشجار، وتعيش كثير من القوارض في فتحات الشقوق الصخرية فيها، أو تذكرالجبال كمصادر للمياه الجارية:

وفي ذلك قال تعالى: }وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ { [النحل68].

وقال تعالى: }وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ { [النحل81].

وقال سبحانه: }وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ { [الرعد3].

وقال سبحانه وتعالى: }أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ { [النمل61].

وقال تبارك اسمه: }خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ { [لقمان10].

وقال تعالى: }وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ { [فصلت10]

وقال تعالى: }وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ { [ق7].

وقال تعالى: }وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا { [المرسلات27].

وقال تعالى: }وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا { [النازعات32].

وقال تعالى: }وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ { [الغاشية19]

وهناك فئة أخرى من الآيات الكريمة في هذه المجموعة تصف بعض النواحي العلمية للجبال، من مثل وجود جدد مختلفة الألوان فيها، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى: }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ { [فاطر27].

أو تؤكد حقيقة أن هذه الجبال العاتية الهائلة الارتفاع، الشامخة والمترامية الأبعاد على سطح الأرض، والتي تبدو للناظر إليها أنها جامدة راسخة، هي متحركة مع حركة دوران الأرض المحورية وأنها تمرّ مرَّ السحاب.

وفي ذلك قول ربنا وهو أصدق القائلين: }وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ { [النمل88].

وقال تعالى: }وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ { [النحل15].

وقال تعالى: }أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ { [النمل61].

وقال عز من قائل: }وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا { [المرسلات37].

  1. وهناك آية واحد تصف الجبال بأنها أوتاد، إشارة إلى امتداداتها الداخلية الهائلة وآيات أخرى تؤكد على دور الجبال في تثبيت الأرض، أو تصف كيفية قيام الجبال على سطحها.

قال الله تعالى: }وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا { [النبأ7].

وقال سبحانه: }وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) {) [الرعد3].

وقال سبحانه: }وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ { [الحجر19].

وقال تعالى: }وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ { [الأنبياء31].

  1. وهنالك آيات تشير إلى الجبال بوصفها من الخلق المسبح لله العابد له، فقد كانت الجبال في الديانات الوضعية القديمة تقدَّس مع غيرها من عناصر الطبيعة التي اعتاد الإنسان القديم (فيما قبل التاريخ) على تأليهها، وترشدنا الآيات القرآنية الكريمة بأن الجبال هي مثل غيرها من عناصر الطبيعة الأخرى مسخرة بمشيئة الله وتسبح وتسجد لجلاله وعظمته.

ويقول تعالى: }فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاً آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ { [الأنبياء79].

وقال تعالى: }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ { [الحج18].

وقال سبحانه: }وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ { [سبأ10].

وقال تعالى: }إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ { [ص18].

وقال تعالى: }وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين { [الأنبياء 79].

  1. آيات تصف مصير الجبال يوم القيامة ودمارها التام وأنها ستتفتت تفتيتاً، وسيضرب بعضها بالبعض الآخر وستُدَك وستصبح كثيباً مهيلاً، وسوف تكون كالصوف المصبوغ ألواناً من الخفّة وستتطاير من الريح.

يقول سبحانه وتعالى: }وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا { [طه105]

ويقول: }وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا { [الكهف47].

ويقول سبحانه:   }وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا { [الطور10].

ويقول سبحانه:   }وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ { [التكوير].

ويقول سبحانه:   }وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا { [الواقعة5].

ويقول سبحانه:   }وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً { [الحاقة14].

ويقول سبحانه:   }وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ { [المعارج9].

ويقول تعالى:    }وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ { [القارعة5].

ويقول سبحانه   }يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا { [المزمل14].

ويقول سبحانه:  }وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ { [المرسلات10].

ويقول سبحانه:  }وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا { [النبأ20].

(الجبال في القرآن الكريم – د. زغلول النجار، ص31-37)

(من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم – أ.د. حسن أبو العينين، ص490-491)

وبالرجوع إلى الآيات السابقة فقد وردت ألفاظ خلق وتسخير الجبال قرين ألفاظ: جعل.. سخر.. ألقى.. أرسى.. أنزل.. سجد.. وأوحى.. أو بالنداء القرآني: يا جبال, أو بالتجلي الإلهي: فلما تجلّى ربه للجبل, أو بخشوع الجبال: لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله.

وقد اشار القرآن الكريم إلى ما يقارب ثلاثين حركة من الحركات التي تعرضت لها الجبال في الماضي والحاضر وما ستؤول إليه في المستقبل، والتي تشير إلى خضوع هذه الجبال إلى الناموس الكوني في هذا الوجود: ومنها تسخير الجبال، ونصب الجبال، ونحت الجبال، واستقرار الجبال، وإرساء الجبال، وتصدّع الجبال، ونتق الجبال، وخرير الجبال، ومرور الجبال.

وكذلك تشير الآيات إلى الأحداث الكبرى التي ستتعرض لها الجبال يوم القيامة ومنها: رجف الجبال، تسيير الجبال، نسف الجبال، دكّ الجبال، بسّ الجبال، زوال الجبال وأن الجبال ستكون كالعهن المنفوش.

وكذلك التجلّي الإلهي للجبال، تسبيح الجبال، خشوع الجبال، تأويب الجبال. كما تشير الآيات القرآنية إلى طول الجبال، واختلاف ألوانها، وأن الجبال أوتاد، وإلى أكنان الجبال.

ويفهم من النصوص القرآنية السابقة أن خلق الجبال عظيم الشأن عند الله تعالى، وذلك بحسب وروده في القرآن الكريم بالتخصيص في الخلق.. وأن خلق الجبال لا زال لغزاً كبيراً محيراً للعلماء حتى اليوم.. ولأن الجبال أحد موازين ومحدّدات ومقيدات الحركة الأرضية.

دور الجبال في المنظومة الكونية

والآيات السابقة تشير صراحة إلى أن الجبال أوتاد تمسك المهاد، وأنها أكنان الرياح، ومعاقد للثلوج في أعاليها، ومراشح للمياه في أواسطها، ومخازن في أكنانها وكهوفها، ومنافذ للينابيع والأنهار في أسافلها.

ويقول العلم أيضاً إنه لولا الجبال ما كانت الينابيع الدائمة، والأنهار الدائبة، التي تسقي أراضينا، طيلة أيام السنة، ثم تصب في البحر، لتردّ إليه العارية، فلو كانت الأرض كلها (مهاداً) منخفضة، أو مبسوطة، لسقط المطر والثلج والبرد عليها، وتفرّق فيها مبدّداً مشتّتاً، أو تجمّع في المطمئن من الأرض، لا سبيل له إلى أن يجري فيها ينابيع وأنهاراً، تصب في البحر، فيختل بهذا الركود سقي الماء، بل ربما اختلت عملية المطر من أساسها لولا هذه الجبال.

ومن امتنان الله سبحانه على عباده بذكر الجبال، أن القرآن الكريم لا يكاد يذكر الجبال إلا ويذكر معها الماء والأنهار أو النبات، وأنه تعالى منّ علينا بخلق هذه الجبال العالية التي جعلت مسافح للأمطار، ومعاقد ومراشح للثلوج التي تذوب بالتدريج، ومخازن عالية مرتفعة للمياه، ومنافذ للأنهار، تنحدر منها إلى السهول.

ويضيف الأستاذ كاصد الزيدي في كتابه (الطبيعة في القرآن الكريم ص137 – 140) ما يلي:

والجبال مظهر من مظاهر سطح الأرض ونعمة من نعم الله – عز وجل – ومنفعة للإنسان، وليست شراً كما ذكر في مفاهيم العهد القديم (التوراة)،  فكل ما وهبه الله – سبحانه وتعالى – من نعم للإنسان تتميّز بمنفعتها المادية (طعام وشراب وتعدين واستغلال وتصنيع)، والمعنوية (زينة وبهجة للناظرين)، وإن هذه النعم جميعها وهبها الله فاطرها لكل البشر على السواء ( من آمن بالله تعالى ومن لم يؤمن به، ومن يعلم مفاهيمها ومدلولاتها ومن لا يعلم)،  بل ولكل كائن حي سواء أكان حيواناً أو نباتاً أو حشرة أو طيراً، وإن هذه النعم مسخرة للإنسان ومذلّلة لمنفعته إلى يوم الدين، ولا يوجد تنافر بين عناصر الطبيعة والإنسان، بل جعل الله سبحانه وتعالى بينهما انسجاماً وألفة.

ويستغل الإنسان الجبالَ لمنفعته، فيشقّ فيها الطرق والممرات الجبلية، ويستغل صخورها وأحجارها في بناء المنشآت العمرانية، ويستخرج منها معادن متعددة لمنفعته في معيشته، ويقيم فيها السدود والخزانات المائية ومحطات توليد القوى الكهرومائية ويبني فوقها وعلى سفوحها وتحت أقدامها القرى والمراكز العمرانية.

ومنذ القدم كانت القرى والمراكز العمرانية الجبلية (أكروبليس Acropolic ) هي المواقع الأكثر أمناً وحماية لسكان الجبال، ويأوون إليها تجنباً من أخطار غارات الأعداء، وتمثّل المدن والبيوت الجبلية اليوم ملاذاً للسياح ومتعة للناظرين لما تتميّز به من مناظر خلابة وطبيعة أخاذة، ومع أن الإنسان يعيش في الجبال كذلك مختلف الحيوانات والقوارض والطيور والحشرات.

يقول المولى تبارك وتعالى: }وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ { [النحل81].

}وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ { [النحل68].

}وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا { [الطور1-10].

وتبدأ سورة الطور بقسَمٍ من الله تبارك وتعالى بمخلوقات خلقها الله في الأرض والسماوات لمنفعة الإنسان، وسخّرها لتيسير حياته ومعيشته، وبعض هذه المخلوقات مكشوف ومعلوم، وبعضها الآخر مغيب ومجهول.

والقسم على أمرٍ عظيم رهيب يرجّ القلب رجاً، ويرعب الحس رعباً، فيوم قيام الساعة ستمور السماء موراً وتسير الجبال سيراً: }وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ { [النمل88]، وقد يقصد بـ “الطور” في هذه الآية الكريمة جبل طور سيناء الذي نزلت فوقه الألواح على موسى عليه السلام.

ويقول الدكتور عبد الهادي ناصر في كتابه (نظرات في الكون والقرآن ص389): وتدخل الجبال في المنظومة الكونية وبفاعلية شديدة في اتزان الكرة الأرضية، وفي غذاء النبات وحياته من ناحية العناصر والغرين، ومن ناحية تأثير المياه حركياً وعلاقة ذلك بارتفاعات وشموخ الجبال (الرواسي الشامخات) وتأثيرها على سرعة الماء ودرجة عذوبته، وتدخل الجبال أيضاً في النشاطات التعدينية في الأرض وخاصة الحديد، وتلعب الجبال دوراً بارزاً ومؤثراً في الإنشاءات بيوتاً وقصوراً وأكناناً، والجبال يتخذها النحل بيوتاً بوحي من الله سبحانه وتعالى، وأخيراً فإن الجبال تلعب في الحياة دوراً مؤثراً في الألوان سواء في مكونات المنشآت أو في تحضير الألوان، بالمشاركة مع تلك الألوان التي تصنعها إما من الجبال وإما من النباتات.

الجبال والإنشاءات المدنية

وتدخل الجبال في الإنشاءات المدنية سواء اتخذ الإنسان الجبال بذاتها مغارات وبيوت، أو نحت من الجبال خامات في هيئة طوب، أو مكوّنات بلكيّة للبيوت وللقصور، أو نهاية خامات زلطية من جبال صخرية، هذا من ناحية المكوّن الرئيسي للكيان البنائي للبيوت والقصور من حوائط وهياكل وأسوار للمنشآت المعمارية.

وتدخل ذات الخامات في المنشآت المدنية النهرية والبحرية من تدبيش جانبي النهر أو في هياكل القناطر والسدود والموانئ النهرية والبحرية، وتجيء الفراهة في البيوت والقصور وتشطيبات المنشآت الرخامية من الجبال.

ويرد ذلك كله في الربط بين البيوت وخاماتها والجبال وما ينحت منها في قول الله تعالى: }وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ { [الأعراف74].

وقوله تعالى: }وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ { [الحجر82].

وقوله تعالى: }وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ { [الشعراء149].

وقوله تعالى: }وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا { [النحل81].

 

                                الجبال والنحل والعسل

ويورد القرآن الكريم في سورة النحل الآيتين الكريمتين: }وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ { [النحل68-69].

فالجبال للنحل بيوت، والجبال والثمر والعسل بينهما قاسم مشترك وهو تباين الألوان!! وبين الجبال والسبل علاقة كونية مغناطيسية، وتورد الآية 68 من سورة النحل عمومية في ثلاث صور هي: الجبال، والشجر، والخلايا المعروشة المصنوعة بأصول التصنيع ((مما يعرشون)).

والتخصيص هنا للنحل وبالوحي باتخاذ البيوت ثم بالأكل ومن كل الثمرات ومن رحيق أزهارها وحبوب لقاحها، ثم إن هذا الغذاء يتحول وبقدرة الله سبحانه وتعالى إلى مواد غذائية شافية معافية، ومتعددة الأغراض في الشفاء لمختلف الأمراض والأغراض الصحية، وأما السبل وتذليلها فهذه خاصية ينفرد بها النحل باختصاص من الله سبحانه وتعالى سواء أكان ذلك بين مراعى الثمار وبين بيوت النحل، أو سواء كانت سبلاً داخلية في البنية الداخلية وداخل جسم النحل لتحويل الغذاء إلى شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس… والله أعلم.

 

الجبال والعبودية لله

قرّب القرآن كل عناصر الطبيعة إلى الإنسان وحبّبه إليها ليتآلف معها، ويستدلّ منها على قدرة الله الخالق الصانع لكل شيء، فقد اقترنت الأرض في القرآن الكريم بمعاني الخير والبركة، وجعلها الله عز وجل فراشاً ومهاداً وموطئاً وقراراً يستقر الإنسان عليها وينتفع منها في حياته ومعيشته، وليست الأرض ملعونة بسبب خطيئة سيدنا آدم عليه السلام وحواء كما زعم في العهد القديم بل هي متاع ومستقر للإنسان.

وليس هناك تلابس بين عناصر الطبيعة والآلهة في القرآن الكريم، بل إن الله سبحانه وتعالى فاطر السموات وما فيهن منزه عن أن يحتاج لشيء أو مكان يستقر أو يسكن فيه، وأن كل عناصر الكون مسخّرة ومذللة ومقهورة بأمر الله وحده فاطرها وخالقها لمنفعة الإنسان وحياته على سطح الأرض، فالجبل ليس مكاناً للإله يسكن فيه، وحين سأل موسى عليه السلام ربه قائلاً: }أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا { [الأعراف43].

وقوله تبارك وتعالى: }لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ { [الحشر21].

فالقرآن لا يظهر الجبل بمظهر التقديس والتعظيم ولا يجعل للجبال ثباتاً أو رسوخاً إزاء قدرة الله وعظمته سبحانه، بل يجعلها عرضة للهدم والتصدع والتآكل على الدوام.

وفي الجبال تصوير لعظمة قدر القرآن وقوة تأثيره بحيث لو خوطب به جبل على شدته وصلابته، لرأيته ذليلاً من خشية الله، فإذا كان الجبل على عظمته وتصلّبه يتعرض للخشوع والتصدع فإنه كان ذلك الأولى بإبن آدم, ولكن على حقارة بن آدم وضعفه لا يتأثر بل يعرض عما فيه من عجائب وعظائم.  فعندما تأثر المسلمون الأوائل بهذا القرآن وخشعوا تبوءوا موقع الريادة والقيادة لبقية الأمم.

والجبال تأبى أن تحمل الأمانة الإلهية التي عرضها عليها الخالق القدير هي والأرض والسماوات، وحملها الإنسان، يقول المولى عز وجل: }إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ َالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً { [الأحزاب72].

فالجبال وغيرها من عناصر الكون هي إذن مسخرة لمنفعة الإنسان، وها هو المولى جلّ وتعالى يسخّر الجبال لداود عليه السلام، فيقول المولى تبارك وتعالى: } وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ { [الأنبياء 79]، فقد قدّم ذكر الجبال على الطير لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأغرب وأدخل في الإعجاز لأنها جماد.

ويقول تعالى أيضاً في آية أخرى: }إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ{ [ص18]، فكانت هذه الجبال تسبح معه في الصباح والمساء, وكان تسبيحها معجزة له عليه السلام. كما كان لترديدها لتسبيح هذا النبي معجزة أخرى، قال سبحانه: }وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ { [سبأ10]، أي قلنا يا جبال سبحي معه ورجّعي التسبيح إذا سبح.

وتسبيح الجبال شيء لا تدركه عقول البشر، وقد تفضّل الله على عبده داود الذي آتاه الله الملك والحكمة, فشكر نعمة الله عليه بأن كان دائماً أواباً طائعاً تائباً عابداً ذاكراً،  فسخّر له الجبال وجعلها تسبّح معه بالعشي والإشراق، كما أمرها أن تؤّوب معه في تمجيد الله وذكره يقول تعالى: }إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ { [ص18]، ويقول تعالى: }وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ { [سبأ10].

وفي الوقت الذي تشارك فيه الجبال الشمّ الرواسي المخلوقات الكونية في السجود لله والتسبيح له, نجد الكثيرمن الناس من يستنكف عن المشاركة في هذا السجود والتسبيح بحمده تعالى، قال عزّ من قائل: }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ { [الحج18].

وقال تعالى في معرض حديثه عن الحجارة التي هي أحد التركيبات التي تتكون منها الجبال: }وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ { [البقرة74]، فإن من الحجارة ما يتفتّت ويتردّى من رؤوس الجبال من خشية الله, فالحجارة المكوّنة لهذه الجبال تخشع وتلين. وذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الخشية حقيقية, وأن الله تعالى جعل لهذه الأحجار خشية بقدرها}كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ{ [النور41].

 

جبل أحد

أبرزت لنا أحاديث رسول الله r المتعلقة بالجبال مجموعة من الحقائق الكبرى عن دور الجبال في المنظومة الكونية في تسبيح الله والسجود له, والشهادة بأن محمداً رسول الله , ومن ثم ترجمة هذا الشهادة إلى حب فعلي للرسول r ولصحابته الكرام، والمحبة المتبادلة بين هؤلاء الأحبة وإن اختلفت السنن التي يخضع لها كل من البشر والجبال.

وقد كان الرسول r وأصحابه يحبون جبل أحد الذي بادلهم حباً بحب, حتى أن الجبل على ضخامته ورسوخه إرتج فرحاً عندما اعتلاه رسول الله r وأصحابه.

وكيف لا يفرح هذا الجبل برسول الله, وهذا ملك الجبال المتولى أمرها جميعها بإذن الله, كان مأموراً من الله تعالى بأن يطبق الأخشبين على كفار مكة لو أمره رسول الله r بذلك.

فالكون كله: السماوات والأرض، الملائكة وحملة العرش، الجبال والدواب، الأشجار وحبات التراب كلها تؤمن بالله وتسجد له وتشهد أن محمداً رسول الله.

ولإبراز عظيم الأجر الإلهي الذي أعده الله لعبده المؤمنين فقد اعتبر رسول الله r وزن هذا الجبل من الحسنات معياراً توزن به بعض الأعمال الصالحة مثل صلاة الجنازة أو تشييعها أو الصدقة القليلة مثل التمرة أو اللقمة.

 

وفيما يلي بعض من هذه الأحاديث الشريفة:

  1. عن‏ ‏عروة ‏ ‏أن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏زوج النبي r ‏‏حدثته ‏ أنها قالت للنبي ‏ r: ‏ ‏هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم ‏ ‏أحد؟

‏ ‏قال: ‏ ‏لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم ‏ ‏العقبة ‏ ‏إذ عرضت نفسي على ‏ ‏ابن عبد ياليل بن عبد كلال ‏ ‏فلم يجبني إلى ما أردت. فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا ‏ ‏بقرن الثعالب, ‏ ‏فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها ‏ ‏جبريل ‏ ‏فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم.

فناداني ملك الجبال فسلم علي, ثم قال: يا ‏ ‏محمد ‏ ‏فقال ذلك فيما شئت, إن شئت أن أطبق عليهم ‏ ‏الأخشبين.

‏ ‏فقال النبي ‏r‏: ‏ ‏بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا    –   البخاري

  1. ‏ ‏عن ‏ ‏أبي حميد الساعدي ‏ ‏قال:‏ خرجنا مع رسول الله r ‏عام ‏ ‏تبوك ‏ ‏حتى ‏ ‏جئنا ‏ ‏وادي القرى, ‏ ‏فإذا امرأة في حديقة لها.

فقال رسول الله ‏ r ‏لأصحابه: ‏ ‏اخرصوا. ‏ ‏فخرص ‏ ‏القوم, ‏ ‏وخرص ‏ ‏رسول الله  r ‏ ‏عشرة ‏ ‏أوسق.

‏ ‏وقال رسول الله ‏r  ‏للمرأة:‏ ‏أحصي ما يخرج منها حتى أرجع إليك إن شاء الله.

قال: فخرج حتى قدم ‏ ‏تبوك.

‏ ‏فقال رسول الله ‏ r‏: ‏ ‏إنها ستبيت عليكم الليلة ريح شديدة, فلا يقوم منكم فيها رجل، فمن كان له بعير ‏ ‏فليوثق ‏ ‏عقاله.

‏ ‏قال قال ‏ ‏أبو حميد:‏ ‏فعقلناها, فلما كان من الليل هبت علينا ريح شديدة فقام فيها رجل فألقته في جبل ‏ ‏طيئ.

‏ ‏ثم جاء رسول الله  r ‏‏ ‏ملك ‏ ‏أيلة ‏ ‏فأهدى لرسول الله  r ‏ ‏بغلة بيضاء, فكساه رسول الله ‏ r‏ ‏بردا وكتب له رسول الله  r ‏ ‏ببحره.

قال: ثم أقبل وأقبلنا معه ‏ ‏حتى ‏ ‏جئنا ‏ ‏وادي القرى.

‏ ‏فقال للمرأة: كم حديقتك قالت عشرة ‏ ‏أوسق. ‏ ‏خرص ‏ ‏رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم.

‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم:‏ ‏إني متعجل فمن أحب منكم أن يتعجل فليفعل.

قال: فخرج رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وخرجنا معه حتى إذا أوفى على ‏ ‏المدينة.

‏ ‏قال: هي هذه ‏ ‏طابة. ‏ ‏فلما رأى ‏ ‏أحدا,

‏ ‏قال: هذا ‏ ‏أحد ‏ يحبنا ونحبه, ألا أخبركم بخير دور ‏ ‏الأنصار؟

‏ ‏قال: قلنا بلى يا رسول الله.

قال: خير دور ‏ ‏الأنصار ‏ ‏بنو النجار, ‏ ‏ثم دار ‏ ‏بني عبد الأشهل, ‏ ‏ثم دار ‏ ‏بني ساعدة, ‏ ‏ثم في كل دور ‏ ‏الأنصار ‏ ‏خير.

(مسند أحمد)

3.‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال: صعد النبي r‏ ‏إلى ‏ ‏ أحد ‏ ‏ومعه ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏وعمر ‏ ‏وعثمان ‏ ‏فرجف بهم فضربه برجله قال ‏ ‏اثبت ‏ ‏ أحد ‏ ‏فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان.

( رواه البخاري)

  1. ‏ ‏عن ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏زيد بن وهب ‏ ‏قال: قال ‏ ‏أبو ذر: كنت أمشي مع النبي ‏ r‏ ‏في ‏ ‏حرة المدينة ‏ ‏فاستقبلنا ‏ ‏ أحد.

‏فقال: يا ‏ ‏أبا ذر.

‏ ‏قلت: لبيك يا رسول الله.

قال: ‏ ‏ما يسرني أن عندي مثل ‏ ‏ أحد ‏ ‏هذا ذهبا تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا شيئا ‏ ‏أرصده ‏ ‏لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ثم مشى.

فقال: إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه وقليل ما هم.

ثم قال لي: مكانك لا تبرح حتى آتيك ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى فسمعت صوتا قد ارتفع,  فتخوفت أن يكون قد عرض للنبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأردت أن آتيه فذكرت قوله لي لا تبرح حتى آتيك فلم أبرح حتى أتاني.

قلت: يا رسول الله,  لقد سمعت صوتا تخوفت فذكرت له.

فقال: وهل سمعته؟

قلت: نعم.

قال: ذاك ‏ ‏جبريل ‏ ‏أتاني, فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.

قلت: وإن زنى وإن سرق.

قال: وإن زنى وإن سرق

(رواه البخاري)

5.‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن ظالم ‏ ‏قال: خطب ‏ ‏المغيرة بن شعبة ‏ ‏فنال من ‏ ‏علي، ‏ ‏فخرج ‏ ‏سعيد بن زيد ‏ ‏فقال: ألا تعجب من هذا يسب ‏ ‏عليا ‏ ‏رضي الله عنه ‏؟  ‏أشهد على رسول الله r  أنا كنا على ‏ ‏حراء ‏ ‏أو أحد.

‏ ‏فقال النبي  r ‏: ‏ ‏اثبت ‏ ‏حراء ‏ ‏أو ‏ ‏ أحد ‏ ‏فإنما عليك صديق أو شهيد. فسمى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏العشرة فسمى ‏ ‏أبا بكر  ‏وعمر ‏ ‏وعثمان ‏ ‏وعليا ‏ ‏وطلحة ‏ ‏والزبير ‏ ‏وسعدا ‏ ‏وعبد الرحمن بن عوف ‏ ‏وسمى نفسه ‏ ‏سعيدا.

(رواه أحمد في مسنده)

  1. عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏رضي الله عنه ‏ أن رسول الله r‏ ‏طلع له ‏ ‏ أحد ‏ ‏فقال ‏ ‏هذا جبل يحبنا ونحبه, اللهم إن ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏حرم ‏ ‏مكة ‏ ‏وإني أحرم ما بين ‏ ‏لابتيها, ‏ تابعه ‏ ‏سهل ‏ ‏عن النبي ‏ r‏ ‏ ‏في ‏ ‏ أحد.

(رواه البخاري)

‏6. ‏عن ‏ ‏سالم بن عبد الله ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عمر ‏ ‏قال :‏ قال رسول الله r : ‏ ‏من صلى على جنازة فله ‏ ‏قيراط ‏.

‏قالوا يا رسول الله:  مثل قيراطنا هذا؟

قال: لا بل مثل أحد ‏‏أو أعظم من أحد.

(رواه أحمد)

  1. عن ‏ ‏أبي هريرة ‏رضي الله عنه أنه سمع رسول الله r ‏ ‏يقول: ‏ ‏من صلى على جنازة فاتبعها فله ‏ ‏قيراطان ‏ ‏مثلي أحد، ‏‏ومن صلى ولم يتبعها فله ‏ ‏قيراط ‏ ‏مثل أحد.

(رواه أحمد)

‏ ‏10. عن ‏ ‏ثوبان ‏ ‏قال:‏ قال رسول الله  r: ‏ ‏من صلى على جنازة فله ‏ ‏قيراط، ‏ ‏ومن شهد دفنها فله ‏ ‏قيراطان.

‏ ‏قال: فسئل النبي ‏r‏ ‏عن ‏ ‏القيراط؟ ‏

‏فقال: مثل أحد.

(رواه ابن ماجه)

  1. ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال: قال رسول الله r‏ : ‏ ‏إن الرجل إذا تصدق بتمرة من الطيب ولا يقبل الله إلا الطيب وقعت في يد الله ‏ ‏فيربيها له كما يربي أحدكم ‏ ‏فلوه ‏ ‏أو ‏ ‏فصيله ‏ ‏حتى تعود في يده مثل الجبل.

(رواه أحمد)

  1. ‏ ‏وعن أبي هريرة ‏ قال: إن رسول الله ‏r ‏قال: ‏ ‏إن الله عز وجل يقبل ‏ ‏ الصدقة ‏ ‏ولا يقبل منها إلا الطيب يقبلها بيمينه تبارك وتعالى ‏ ‏ويربيها لعبده المسلم اللقمة كما يربي أحدكم ‏ ‏مهره ‏ ‏أو ‏ ‏فصيله ‏ ‏حتى ‏ ‏يوافى ‏ ‏بها يوم القيامة مثل أحد.

(مسند احمد 8877)

  1. وعن ‏ ‏زيد بن ثابت ‏قال: سمعت رسول الله r ‏‏يقول: ‏ ‏لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم, ولو كان لك مثل أحد ‏‏ذهبا ‏أو مثل جبل ‏أحد ‏ ‏ذهبا ‏ ‏تنفقه في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار.

(مسند أحمد)

 

 

 

التركيب الجيولوجي للجبال

أكّدت الدراسات الجيولوجية الحديثة بأن السلاسل الجبلية الكبرى التي تظهر بارزة فوق سطح الأرض اليوم، قد ترسّبت موادها وصخورها (قبل تعرضها لعمليات الرفع التكتونية) في أحواض بحرية تكتونية قديمة تعرف باسم   Geosynclines.

ويعدّ الجيولوجي الأمريكي جيمس هول James Hall أول من أشار علمياً إلى هذه الملاحظة، حيث تبيّن أن سمك كل من الطبقات الصخرية والمختلفة في المناطق الجبلية الالتوائية أكبر بكثير من سمك نفس هذه الطبقات الصخرية بالمناطق السهلية المجاورة، وأوضح (هول) بأن الصخور العليا من الزمن الجيولوجي الأول بمرتفعات الأبالاش يبلغ متوسط سمكها نحو أربعة أضعاف سمك نفس هذه الصخور بالسهول الساحلية الشرقية لأمريكا الشمالية.

وقد أكدت الدراسات الجيولوجية الحديثة كذلك بأن سمك كل من مجموعات الطبقات الصخرية في مرتفعات الألب الروكي والأنديز والهيمالايا والأورال يتراوح عادة من 6 إلى 9 أميال، في حين لا يزيد سمك كل من نفس هذه المجموعات الصخرية بالأراضي السهلية المجاورة عن بضعة آلاف من الأقدام فقط.

ومن دراسة التركيب الجيولوجي للطبقات الصخرية بالمناطق الجبلية الالتوائية ومقارنتها بنظائرها في المناطق المنخفضة السطح، تبين أن الأولى كذلك بعظم تجانس الصخور في الأجزاء الوسطى وكتلتها، في حين تتشكّل جوانبها بمفتتات صخرية رملية وصلصالية ومواد حطامية وصخور المجمعات وكلها نتجت أساساً تبعاً لتعرض الصخور الأصلية لعوامل التعرية عند أطرافها الهامشية. كما تتميّز الطبقات الصخرية الرقيقة السمك في المناطق غير الالتوائية بعدم تجانس كبير بين أجزاء صخورها المختلفة.

وبالإضافة إلى هذه الملاحظات السابقة تبيّن أن الحفريات الممثّلة في الطبقة الصخرية الواحدة تختلف عائلاتها كذلك إذا ما كانت في الصخور السميكة الالتوائية أو بصخور المناطق السهلية الرقيقة السمك، فعائلات الحفريات في الصخور الأولى تتميّز بكونها من الأنواع التي تعيش في المياه العميقة، بينما في الثانية تعدّ من الكائنات التي كانت تعيش في المياه الضحلة.

وتبعاً لهذه النتائج المختلفة تأكد الجيولوجيون بأن الصخور الالتوائية، الهائلة السمك تجمعت أصلاً في أحواض بحرية تكتونية عميقة Geosynclines وتراكمت فيها الرواسب الصخرية بصورة تدريجية، ثم تعرّضت بعد ذلك لعمليات الرفع التكتونية التي أدّت إلى ظهورها على شكل سلاسل جبلية هائلة الارتفاع، وفي الوقت نفسه تتركّب من طبقات صخرية أكبر سمكاً بالنسبة لنفس نوع هذه الطبقات بالمناطق السهلية التي لم تتأثر بحركات الرفع التكتونية.

وتختلف الجبال فيما بينها من حيث تركيبها الصخري وظروف نشأتها، فقد تكون الجبال بركانية النشأة، اندفعت من باطن الأرض بفعل حركات الرفع التكتونية (وتتركب من الصخور البازلتية السوداء اللون)، وقد يتمثّل في صخورها كذلك نسبة عالية من خامات الحديد (حمراء اللون) الذي فيه بأس شديد ومنافع للناس، كما قد تكون الجبال صدعية النشأة، ورفعت إلى أعلى بفعل عمليات التصدع faulting في القشرة الأرضية }وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ { [الطارق12]، كما قد تتألف صخور الجبال من تجمع تكوينات جيرية ورواسب أخرى فوق أرضية البحار والمحيطات لمدة زمنية طويلة، ثم تتعرّض في فترة جيولوجية نشيطة إلى حركات رفع تكتونية Uplift فتنقلب الأحواض المحيطية القديمة لتصبح سلاسل جبلية جيرية ورملية عالية شامخة فوق سطح الأرض وتتداخل فيها المصهورات البركانية البازلتية.

ويقول المولى عزّ وجلّ: }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ { [فاطر27].

}لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ { [الحديد25].

وتشير هذه الآيات الكريمة إلى أهمية صخور الجبال المختلفة التركيب الجيولوجي والمعدني (ومن ثم الألوان الخاصة بها) في استغلال ما فيها من معادن كالحديد والمعادن الثقيلة السوداء والنحاس, ولا يخفى علينا أهمية هذه المعادن في حياة الإنسان.

وجعل الله سبحانه وتعالى قشرة الأرض في حالة توازن دائم، فإذا كانت عوامل التعرية والتجوية عوامل سالبة تعمل على نحت الجبال وتآكلها على مرِّ العصور الجيولوجية، فإن التفاعلات الباطنية في جوف الأرض عوامل تكتونية موجبة تدفع قشرة الأرض إلى أعلى وتكوّن سلاسل جبلية جديدة ذات جذور راسخة مغروسة في القشرة السفلية للأرض كالأوتاد يقول سبحانه وتعالى:

}وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ { [الرعد3]

}أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا { [النبأ 6-7]

}وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا { [المرسلات27]،

}خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ { [لقمان 10]

}وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{ [النحل15]

(من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم – أ.د حسن ابو العينين – ص 498-501)

 

 

الجبال بين الإلقاء والجعل

يستخدم الفعل (جعل) في خمس آيات قرآنية، وفي أربعة آيات أخرى تستعمل الفعل (ألقى)، وذلك عند الحديث عن رواسي الأرض.  ومن اللافت للنظر أن الكلمة ترد دائماً بدون ألف ولام (رواسي) وذلك لحكمة، فالرواسي يختلف عددها من زمن إلى زمن، وتشكل الجبال العمود الفقري لقارات العالم قديماً وحديثاً لتحفظ الأرض لئلا تميد، وتوجد علاقة قوية بين مد الأرض وإلقاء وجعل الرواسي، والقرآن وهو يتحدث عن جعل الرواسي في الأرض يذكر في موضع واحد أن هناك رواسي من فوقها، وفي جميع الآيات الخمس يذكر الرواسي في الأرض إلا في موضع واحد، يذكر فيه أن الرواسي للأرض ((وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ )) وتلك هي مواضع ذكر جعل وإلقاء الرواسي.

آيات جعـل الرواسـي آيات إلقـاء الرواسـي
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا [الرعد3] وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ [الحجر19]
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [الأنبياء31] وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [النحل15]
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا [النمل61] وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [لقمان10]
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ [فصلت10] وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق7]
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا [المرسلات27]  

والموضع الوحيد الذي جمع الجبال والإرساء هو }وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا{ [النازعات32].

وتعلو الجبال عما حولها، فالجبل يعلو فوق الأرض بما لا يقل عن 300 متر فوق مستوى سطح البحر وبحسب مادة الجبل. وهناك جبال يتكوّن أصل صخورها من صهير (مجما) يصعد من جوف الأرض، وفي أثناء صعوده يبرد ويتبلور، وإذا ما تكوّنت الصخور على أعماق من سطح الأرض سميت بالصخور الجوفية لأنها تتكوّن على أعماق كبيرة تحت السطح، أما إذا شق الصهير طريقه للسطح فعند برودته يتجمّد ليكوّن الصخور البركانية وتنشأ منه الجبال البركانية وغيرها من الأشكال، والمختفي تحت السطح يبرز على السطح نتيجة حركات ترفعه أو عوامل تزيل ما علاه من مادة الأرض والصخور.  فالجبال التي بمكة المكرمة مثلاً من ذلك النوع، وقيل إن أقدم موضع في الأرض هو الكعبة المشرفة بيت الله الحرام، ثم دُحيَت الأرض من تحته، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.

وبروز الجبال فوق سطح الأرض عملية معقّدة كما أشرنا من قبل، وأقدم الجبال هي الرواسي وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: }وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا{، ولما كانت تلك الرواسي من فوق الأرض وهي في نفس الوقت فيها، فإن نشأتها ونموها يعد موضوعاً محيّراً لدارسي معالم الزمان الباكر، المعروف بزمان ما قبل الكمبري.

وفي البداية غطّى بحر النار (الصهارة) سطح الأرض، ولما بردت الصهارة تكونت قشرة المحيط، أما كيف نشأت الرواسي؟ ويبدو أن الجبال جاءت نتيجة عمليات معقدة أدت إلى تكوين الرواسي في الأرض فوق سطحها، وبرزت الجبال الأصيلة الأولية، وتعرضت خلال آماد طويلة من الزمن لعوامل الهدم، ونقلت مكوناتها لتلقى في المناطق المنخفضة، ثم تُزال تلك الجبال لتنشأ جبال أخرى نتيجة إلقاء مكونات الجبال السابقة، وهنا يتضح عطاء القرآن في الحديث عن جعل الرواسي في الأرض تارة وعن إلقاء الرواسي فيها تارة أخرى، وعلى علماء العربية أن يبحثوا في عطاء نظم القرآن في قوله تعالى: } وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ{ وقوله أيضاً }وَجَعَلَ لهَا رَوَاسِيَ {.

(بحث د. حسني حمدان الدسوقي حمامة –  المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المطهرة).

 

أنواع الجبال

الجبال كتل ضخمة من اليابسة ترتفع كثيراً عما يجاورها وتختلف عن بعضها في نشأتها ونظريات تكوينها، وقد تم تصنيفها ضمن الأنواع الآتية:

  1. الجبال الالتوائية: هي التي تشكّلت بسبب التواء في القشرة الأرضية ذات الصخور الرسوبية والتي كانت في قاع البحر قديماً، وتشكّل معظم جبال العالم المرتفعة وتكون على شكل سلاسل جبلية طويلة وشاهقة.
  2. الجبال الانهدامية: وهي التي تكوّنت بسبب انكسار في الأرض لقساوة الصخور المكونة غالباً من الغرانيت وغيره.
  3. الجبال البركانية: وهي التي تشكّلت بسبب البراكين وخروج الحمم من باطن الأرض وتجمّعها فوق بعضها وهي من صخور البازلت، وتشكّل هذه الجبال بشكل خاص أوتاداً للأرض منبثقة من السيال وهي بذلك كالمرساة التي تمنع السيال أن يزيد أو يزول.
  4. الجبال الجليدية: وهي التي تشكّلت من كتل الجليد وتطفو فوق سطح البحار وفي المناطق القطبية من الأرض حيث لا يطفو من الجبل فوق الماء سوى 1/9 من حجمه.

وتمتد هذه الجبال على شكل أحزمة جبلية وسلاسل شديدة الارتفاع عظيمة الأهمية تحاذي سواحل المحيط الهادي الشرقية والغربية وتمتد على أطراف آسيا الشرقية وعلى الأطراف الغربية للقارة الأمريكية وفي جبال الألب وأطلس والقوقاز وأندونيسيا والكاربات والأورال وغيرها.

وتمتد في أعماق البحار سلاسل جبلية مشابهة بل تزيد ارتفاعاً أحياناً عن جبال سطح الأرض وتغمرها المياه كلها أو قسماً منها ليشكّل القسم الظاهر فوق سطح الماء جزراً عديدة تتناثر وسط البحار والمحيطات وحيث يوجد في قيعان البحار والمحيطات مرتفعات ومنخفضات متفاوتة الشكل والحجم كسطح الأرض.

أما أطول سلسلة جبال في العالم فهي سلسلة الوسط المحيطة – Mid Ocean – Ridge التي تطوق الكرة الأرضية من المحيط المتجمد الشمالي إلى المحيط الأطلسي مارة بالمحيط الهندي و عابرة المحيط الهادي وهي أطول 4 مرات من جبال الإنديز والروكي والهمالايا مجتمعة.

ويبلغ طول جبال همالايا التي تمتد في باكستان والهند ونيبال والتبت حوالي 3800 كم، وهي تعتبر أطول سلسلة جبال في العالم فوق الأرض، ويبلغ عرضها 350-500 كم، وتشتمل هذه السلسلة على أطول قمة وهي قمة أفرست البالغ ارتفاعها 8880 متراً، أما جبال الألب فيمتد طولها نحو 1000 كم في فرنسا وإيطاليا وسويسرا ويوغسلافيا وألمانيا وأعلى قممها هو الجبل الأبيض البالغ ارتفاعه 4807 متراً.

ويقول إنجيل في كتابه البحر: [وقد كان من الممكن أن تغرق المياه أعلى القمم الأرضية وهي قمة إفرست البالغ ارتفاعها 8848 متراً دون أن تترك لها أثراً بدليل أن الغور الواقع بالقرب منها في المحيط الهادي والمسمى أخدود ماريانا يصل عمقه حوالي 10912 متراً، ولو تمت تسوية الأرض لما ظهر لليابسة وجود ولغمرت مياه المحيطات الكرة الأرضية إلى عمق يصل إلى 3658 متراً].

إن متوسط ارتفاع اليابسة يبلغ حوالي 3000 قدم (900 م) بينما يبلغ متوسط عمق المحيطات 4-6 كم، وتعدّ هذه المرتفعات والمنخفضات هائلة جداً ولكنها تبدو صغيرة جداً عندما نأخذ في الحسبان حجم الكرة الأرضية، وبالإجمال فإن قيعان المحيطات تكون أقل وعورة من اليابسة.

ويقدّر علماء الجيولوجيا إن الحجم الكلي لليابسة فوق الأرض أو فوق مستوى البحار هو 1/18 من حجم الماء الكلي في البحار، وهذا يعني أن على المخلوقات أن تخشى خطر الإغراق في كل لحظة ولكن الله بلطفه الكريم منع البحار من أن تطغى على ما يجاورها.

ونتيجة للفرضية القائلة أن الجبال تكوّنت نتيجة لتدافع القارات في حركة مضادة فمثلاً تبتعد أمريكا الجنوبية عن إفريقيا بمعدل 30 سم كل سنة أو يزيد، وأن العجائن الصخرية الزاخرة بالغازات والموجودة على أعماق سحيقة تحت سطح الأرض لا تتوقّف غالباً عن الحركة البطيئة.

كما يذكر العلم الحديث عن دور الجبال في توازن الأرض أن للجبال جذوراً تمتد إلى الأغوار العميقة حيث يقول جورج إيري: ( إن الصخور الجرانيتية تمتد تحت الجبال إلى مسافات عميقة خلال الطبقة البازلتية الواقعة تحتها والتي تفوقها كثافة، وإن للجبال جذوراً في أعماق البحر، وأن هذه الجبال وجذورها تطفو فوق ما يحيط بها كما يطفو الجليد فوق الماء وكلما قلّ وزن الجبل طفا إلى الأعلى).

وتعتبر السلاسل الجبلية التي تتوسط الأرض والتي تحيط بها ضرورة ماسة لحفظ القارات وتماسكها، ولولا أن الأرض تثبت بهذه الجبال وأن الجبال تثبّت بهذه الأوتاد لظلت الأرض في حالة مياد واهتزازات مستمرة مما يمنع إقامة أي بناء أو إنبات أية غرسة أو حبة قمح.

(كتاب البحر – ليونارد إنجيل ص267)

وتؤدّي عملية تكوين الجبال إلى دفع المعادن الباطنية للبروز إلى السطح في طيات الجبل حتى إذا تعرضّت لعامل التعرية الذي يأتي على كل مرتفع تجاوز مستوى معيّن فوق سطح الأرض، تحلّلت موادها ونقلت عبر مياه الأنهار والوديان إلى المنخفضات لتتسرب مع التربة وتزيد في خصوبتها أو تستمر إلى أن تتوضّح أخيراً في مياه البحر، وحسب دراسة أجريت في الستينيات من القرن الماضي لرصد بعض المناجم في فرنسا وخاصة مناجم اليورانيوم (1962 E RHART ) الناتج عن تحوّل صخور الجرانيت، فقد تبيّن أن العامل البنيوي للجبال كان له الدور الأساسي في تخزين المواد المعدنية حيث اعتُبرت تشققات الجبال وجيوبها بمثابة مدّخر للمعادن.

وبخضوع الجبال للتعرية تُحلّل مركّباتها المعدنية وتُحمل عبر مجاري المياه إلى المنخفضات لتستقر في أحواض يتم فيها تركيز اليورانيوم عبر ملايين السنين، وكذلك هو الشأن في جل المنخفضات، فهي تجلب إليها محاصيل تعرية الجبال من مواد معدنية وكيماوية مما يجعلنا نستخلص أن عامل تكوين الجبال كان له دور أساسي في تغيير وجه الأرض، فكأن ظهور الجبال كان هو الشرارة الأولى لانطلاق الحياة على سطح الأرض.

وهكذا فرغم أن هذه المرتفعات تصعب فيها الحياة بل وتكاد تنعدم في قممها العالية، فإنها تبقى هي المموّن الوحيد للمنخفضات التي تزدهر فيها الحياة، وما ذلك إلا لكون هذه المنخفضات تشكّل في الواقع محطات لاستقطاب الثروات المعدنية التي تُفرزها الجبال والتي تسلك سبل ربها، حتى إذا استقرت في محطاتها الأخيرة أنبتت الزرع فيكسب الإنسان ويرعى أنعامه، كما جاء في قول الله تبارك وتعالى: }وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ { [النازعات 32-33].

وعلى نطاق واسع من تاريخ البشرية، نجد أن معظم الحضارات تمركزت في المنخفضات والسهول كحضارة وادي النيل ودجلة والفرات وغيرها، يقول سبحانه وتعالى: }وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ { [الأعراف74].

ويقصّ علينا القرآن الكريم نبأ بني اسرائيل لما ضاقوا ولم يصبروا على طعام واحد، فسألوا موسى عليه السلام أن يدعو ربه لتُخرج لهم الأرض من أنواع الزرع وأشكال الطعام فأمرهم الله تعالى بالهبوط حيث قال سبحانه: }اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ { [البقرة61].

وكيفما كان الأمر إلى مصر النيل أو أي مصر من الأمصار، فهو يفيد الهبوط إلى منخفض من الأرض، وإذا اعتبرنا الأمر إلى مصر النيل فأرضها الشاسعة عبارة عن صحراء رملية قاحلة تتخلّلها بعض الواحات، بينما تتمركز خيرات هذا البلد على ضفاف وادي النيل التي لا تتجاوز 1/20 من مساحة مصر، وهي الأراضي التي كانت تغمرها مياه فيضان النيل قبل بناء السد العالي.

والنيل هو أطول نهر في العالم (6700 كم) ينبع من بحيرة فكتوريا وهي أكبر بحيرة في أفريقيا، ويمرّ عبر الحبشة والسودان ثم مصر ليصبّ في البحر الأبيض المتوسط مشكّلاً بذلك دلتا نهر النيل حين تجاوزه القاهرة. وتستمد بحيرة فكتوريا مياهها من المرتفعات المجاورة، فهي توجد بين جبال عالية تكون مكسوة بالثلوج، ومن بينها جبل كلمنجارو المطلّ عليها من جهة الشرق والذي يعتبر أعلى جبل بركاني في أفريقيا يصل ارتفاعه إلى 5963 متراً ويخزّن كميات هائلة من المواد المعدنية المتسربة إليه من باطن الأرض، وبذلك فوجود البحيرة في هذا الموضع يجعلها نقطة جذب تُصرف إليها المياه المحمّلة بالمحاليل المعدنية الضرورية لتخصيب الأرض، ومن ثم تساق هذه المياه وما تحمله من مواد عبر النيل آلاف الكيلو مترات لتغمر أراضي جرز فتطعّمها وتحييها، يقول سبحانه وتعالى: }أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ { [السجدة27].

(بحث الأستاذ عبد الإله بن مصباح – بحوث المؤتمر الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة – ص19-20)

 

جـذور الجبــال

لقد تم حديثاً تعيين التركيب الداخلي لباطن الأرض عن طريق دراسة الزلازل، وقد كشفت هذه الدراسات عن وجود ثلاث طبقات هي القلب والرداء والقشرة، وقد أشرنا إلى ذلك بالتفصيل في فقرة الأرضون السبع في بداية البحث.

والقشرة هي الجزء الهام الذي يغطي سطح الأرض وتحدث بها جميع الظواهر الجيولوجية، ومن أهم هذه الظواهر الالتواءات التي تكون سلاسل الجبال فيما يسمى (Orogenesis) (أي نشأة الجبال) في علم الجيولوجيا، ولهذه العملية أهمية بالغة في تكون البروز الذي يؤدي إلى جبل مرتبط ومثبت بأساس يمتد في عمق القشرة الأرضية داخل الرداء فيؤكد بذلك وجود جذور للجبال، ويقول الله سبحانه وتعالى في وصف الجبال في القرآن: } أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا { [النبأ6-7].

(القرآن الكريم والعلم الحديث – د. منصور محمد حسب النبي، ص57)

وقد تكونت معظم سلاسل الجبال الكبرى على وجه الأرض نتيجة هذا التصادم البطيء جداً جداً وإن كان ذا قوة هائلة رهيبة بين الصفائح المكونة للقشرة الأرضية مما أدى إلى حدوث حركات أرضية عظمى من الطيّ والالتواء بل وتداخل لحواف الصفائح القارية تحت بعضها البعض، مما أدّى لرفع سلاسل الجبال، وهذه الحركات بطيئة جداً وغير محسوسة وتستغرق ملايين السنين، لذا فالمراقبة بالنظر إليها تعتبر غير مجدية وغير عملية عبر أجيال من البشرية، والجنس البشري كله لم ير تكوين أي من هذه السلاسل حيث وجد الإنسان في المليون سنة الأخيرة من عمر الأرض بعد أن نمت واستقرّت نسبياً معظم هذه التغيرات والتشكلات.

ونجد أيضاً أن نظرية تكوين الجبال قد وردت في الآية الكريمة: } وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً { [الكهف47].

فيوم تكون حركة الجبال محسوسة ومرئية (للأمام والخلف أو الأعلى أو الأسفل) كذلك تكون معها حركة الصفائح القشرية الحاملة لها مما يهدد بفناء الموجودات فوقها بكارثة عظمى (الوصف هنا لما سيحدث يوم القيامة).

وتشير الآية بوضوح إلى أنه سينتج عن هذا التصادم “بروز الأرض”، أي أن تداخل الصفائح القشرية بطريقة شديدة ومتسارعة سيؤدي أيضاً إلى انبثاق وبروز طيات أرضية عظمى مكوّنة سلاسل جبلية عظمى أخرى (وهذه هي نظرية تكوين الجبال يلخصها القرآن في كلمتين هما (التسيير والبروز).

وقال تعالى: } وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ { [الحجر19].

الله وحده هو الذي بسط الأرض وألقى فيها جبالا ًوثوابت لئلا تتحرك بأهلها وساكنيها وأنبت فيها من كل شيء معلوم مقدر، وإن هذا البسط والتذليل للإنسان حتى يستطيع استغلالها بسهولة ويسر وجعل فيها الجبال كعلامات بارزة يسهل تمييزها لتؤدّي دوراً لها في الجغرافيا الطبيعية.

ومن هذا الدور، محافظة البيئات المختلفة على مواضعها وخصائصها الفطرية، ولأن الأرض تمثل نظاماً طبيعياً وديناميكياً في حالة تغير مستمر، يرفع ويخفض، يأخذ ويفقد، فإن واضع النظام صانه ضمن توازن دقيق.

(المهندس الزراعي العدد43/الزراعة والري في القرآن الكريم – محمد رفيق جاموس ص48)

تكـوين الجبــال

الجبال كتل مرتفعة من الأرض، ويغوص منها جزء داخل الأرض يقدّره العلماء في الفترة الأخيرة بخمس أمثال الجزء الظاهر على سطح الأرض، فالجبل والحال كذلك هو بمثابة وتد غائص في الأرض، وسبحان الله العظيم إذ يقول: } وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا {[النبأ7].

وظلّ التفكير في نظرية تكوين الجبال يشغل بال العلماء حتى وقت قريب، وفي السبعينيات من القرن الماضي ظهرت نظرية الألواح التكتونية، والتي مؤداها أن سطح الأرض يشبه قشرة بندقة صلبة وقد تشققت في مواضع، وتسمى كل قطعة من هذه القطع لوحاً يبلغ سمكه حوالي 65 كم، وهذه الألواح تتحرك دوماً، ولا تبقى ساكنة، وهي في حركتها تتدافع وتحدث تغيرت كبيرة عند حواف تلك الألواح بينما تبقى أوساطها ثابتة.

فالزلازل مثلاً يتوقع وجودها عند تلاقي حواف تلك الألواح، وكذلك تتكون البراكين والحروف الناشئة في قيعان المحيطات، كما أن سلاسل الجبال الكبرى، مثل الهملايا توجد من حواف تلك الألواح، نتيجة لتصادمها بعضها مع بعض الآخر.

ولهذه الألواح تحركات نسبية بعضها مع البعض، فقد ينزلق الواحد منها تحت الآخر ويختفي، أو ينزلق الواحد منها بجانب الآخر فيحدث صدع، أو قد يلتقيان فيحدث جبل، وتحدث تحركات هذه الألواح على مدى ملايين السنين، والألواح بالطبع من صخور ثقيلة، والقارات من صخور أخف.

(محاضرات في الجيولوجيا – د. محمد فتحي عوض الله)

وهناك من يقول بنظرية التقلص – ومؤداها أنه بفقدان الحرارة ينكمش باطن الأرض، وتبقى القشرة ثابتة، وعليه لا بد أن تنحني القشرة لتملأ قيمة التقلص في الداخل، ويحدث نتيجة لذلك النتوءات والفوالق، وتهتز الأرض وتحدث الزلازل، وقد تفور البراكين وتتكون الجبال.

(نظرية في أصل الأرض – أوتو ثميث – دار المعارف)

وهناك رأي ثالث ينادي بربط التقلص والتمدد، واللذين تنتج عنهما تيارات حمل في الاتجاه إلى القشرة، من داخل جوف الكرة الأرضية، وصاعداً إلى القشرة حال التقلص في جوف الأرض، إلا أن كل هذه الفرضيات لم تحسم علمياً، وحتى الآن!! فخلق الجبال شيء عظيم حقاً… فهي في ذاتها رأسية وتدية… وهي وازنة للأرض تمنعها من الميد والاهتزاز وتجعل الأرض مستقرة!!

وتأمل ما رواه أنس عن رسول الله r قال: (لما خلق الله الأرض جعلت تميد، فخلق الجبال، فألقاها عليها فاستقرت، فعجبت الملائكة من خلق الجبال فقالت: يا رب! في خلقك شيء أشد من الجبال! قال: نعم، الحديد، قالت: يا رب! فهل شيء أشد من الحديد! قال: نعم، الماء، قالت: يا رب! فهل في خلقك أشد من الريح؟ قال: نعم، ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله) [الحديث رقم 4770 صحيح الجامع/ مسند الإمام احمد والترمذي].

(نظرات في الكون – د. عبد الهادي ناصر، ص381-382)

 

تقطيع الأرض بين العلم والقرآن

قال تعالى: } وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ { الرعد4

يعتبر هذا الموضوع من أخطر الحقائق الجيولوجية التي أشار إليها القرآن الكريم والتي لم يكتشفها علماء الجيولوجيا إلا منذ حوالي أربعين عاماً مضت. هذا ويمثّل إكتشاف قطع الأرض المتجاورةالتي أطلق عليهاألواح الغلاف

  1. يتكون الغلاف الصخري للأرض من عدد من الألواح المتجاورة والتي يقدر عددها باثني عشر لوحاً أرضياً كبيراً بالإضافة إلى عدد من الألواح الصغيرة، ويفصل هذه الألواح عن بعضها البعض شبكة هائلة من الخسوف الأرضية التي تتراوح أعماقها بين 6.5-15 كم، ويبلغ طولها عشرات الآلاف من الكيلو مترات، وهي تحيط بالأرض إحاطة كاملة وكأنها صدع واحد معرج يشبّهه العلماء باللحام على كرة التنس.

ولكل واحد من ألواح الغلاف الصخري للأرض منشؤه الخاص به، وبالتالي تتباين هذه الألواح في تركيبها الصخري والمعدني وفي متوسط كثافة مادتها وسمكها.

  1. من الأنواع الرئيسية الثلاثة للصخور وهي: الصخور النارية والرسوبية والمتحولة بتفرعاتها المختلفة، والتي تشكل قطعاً متجاورة في كل واحد من ألواح الغلاف الصخري للأرض، تتباين فيما بينها في صفاتها الطبيعية والكيميائية وفي مظاهرها الخارجية، وأشكالها على سطح الأرض.

فالصخور النارية – على سبيل المثال – تنقسم إلى مجموعات حامضية وفوق حامضية، ومجموعات متوسطة الحامضية، ومجموعات قاعدية وفوق قاعدية، وكل مجموعة من تلك المجموعات يوجد منها صخور عميقة المنشأ، عالية التبلور، إذ تبلغ فيها البلورات أحجاماً كبيرة.

ومنها الصخور الناشئة في أعماق متوسطة من القشرة الأرضية، وهي متوسطة التبلور ومتوسطة حجم البلورات.

ومنها الصخور البركانية الزجاجية (أي عديمة التبلور) أو دقيقة البلورات، وبالمثل تتباين الصخور الرسوبية والمتحولة تبايناً شديداً، وحسب غلبة أي من هذه المجموعات الصخرية في أي من أجزاء الغلاف الصخري للأرض يكون التباين في القطع المتجاورة المكونة لكل واحد من هذه الألواح، وبالتالي للغلاف الصخري للأرض.

  1. وتتباين أنواع التربة الناتجة من تحلل كل نوع من أنواع هذه الصخور (بفعل عوامل التعرية المختلفة خاصة عوامل التجويه والتحات) تبايناً شديداً بتباين صخر المصدر واختلاف تركيبه الكيماوي والمعدني، وبتباين الظروف البيئية (من المناخ والتضاريس والأنواع السائدة من صور الحياة وغيرها) بحيث تختلف التربة المعطية لكل نوع من أنواع الصخور المكونة لكل واحد من ألواح الغلاف الصخري للأرض اختلافاً هائلاً من بقعة إلى أخرى على هيئة قطع متجاورات، مما أعطى للأرض قدراً هائلاً من التنوع في صفاتها الطبيعية والكيماوية.

وعلى ذلك فإن الأرض تتباين إلى قطع متجاورات بتباين الألواح المكونة لغلافها الصخري، وبتباين أنواع الصخور المكوّنة لكل واحد من تلك الألواح، وبتباين أنواع التربة الناتجة عن تجوية وتحات كل نوع من أنواع تلك الصخور تحت الظروف البيئية المتعددة بتعدد النطق المناخية والتضاريس وأنواع الحياة السائدة فيها، ومن ثم فإن هذه القطع المتجاورات من الأرض تتباين تبايناً هائلاً في قدرتها على الإنبات، وفيما تحمله من أنواع الكساء الخضري وما يحمله هذا الكساء من ثمار، فقد ثبت أخيراً أن لكل نوع من أنواع الحياة بيئته الخاصة التي يحيا فيها.

وبذلك يتكون الغلاف الحيوي للأرض من العديد من المجالات، والمواطن، و المنظومات البيئية التي تتميّز كل منها بخصائصها الجغرافية من التضاريس، والمناخ، وأنواع الصخور، والتربة، والمجموعات الاحيائية المرتبطة بها، فعلى سبيل المثال هناك أنواع من أنواع الحياة قد وهبها الله (تعالى) القدرة على التعايش مع بعضها البعض في عشرة مفيدة لكل نوعين متعايشين في تكافل حيوي متبادل، وقد يكون هذا التعايش مفيداً لأحدهما دون الآخر، ولكنه غير ضار بهذا الآخر، وحين يكون ضاراً به تسمى العلاقة باسم التطفل.                                             (بحث د. زغلول النجار)

ويورد الدكتور سامي الشبراوي في كتابه الجديد في المنظور العلمي للقرآن المجيد ص73 :

أما الآية } وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ { [الرعد4] فتتحدث عن ظاهرة التنوع على سطح الأرض، وتتكلم بالتحديد عن ثلاثة خواص جمعت كلها باستعمال أداة الوصل (و).

أما الأولى فتتحدث عن أن في الأرض قطع متجاورات وإذا لم تؤخذ تلك الآية بسطحية قد تفسر الأمر بأنه قطع زراعية متجاورة مثلاً، كما تقول التفاسير القديمة استناداً إلى بقية الآية التي تتكلم عن خواص نباتية مما لا يضيف جديداً ويجعل التفكير مسطحاً.

وسنجد أن المولى عز وجل أراد الإشارة هنا لتلك الحقيقة الجيولوجية الهامة وهي أن اليابسة عبارة عن قطع أو صفائح متجاورة وليست كتلة واحدة تؤدي كلها نفس الوظيفة مع اختلاف أشكالها كاختلاف أشكال الثمر في باقي الآية الذي يؤدي كله الوظيفة الغذائية.

وفي هذا إعجاز علمي قرآني يسبق الزمن بوضوح، أما الخاصتين الأخريين وهما التنوع البيولوجي والتنوع الوراثي فلهما بحث آخر.

وأقول هنا من التأمل للآية أن اللفظ “يسقى” فيها إنما يعود على الأعناب والزرع والنخيل فقط ولا يشمل قطع الأرض، وإلا لكانت الصيغة التي أتت في حالة جمع “قطع وجنات” وصفت بـ ” تُسقى” بماء واحد وليس “يسقى” مما يفيد بأن قوله تعالى: } وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ { مقطع مستقل ومعجزة مستقلة من معجزات الله المختلفة مما أورده الله في تلك الآية وليس جزءاً مكملاً لموضوع النبات والري.

أما الآية: } وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً {فتتحدث عن يوم القيامة وعن أحد أوجه إفناء الأرض، وذلك بتسيير الجبال المحمولة فوق الصفائح القارية بسرعة ملحوظة (التغيرات الحالية تأخذ مئات الآلاف من السنين ليمكن إدراكها).

وعند تصادم هذه الصفائح القارية فإنها تتداخل وتبرز لأعلى (كما يحدث عند تكوين سلاسل الجبال العظيمة علمياً) ومما ينشأ عنه أيضاً ظاهرة جيولوجية متلازمة لذلك وهي حدوث الزلازل المدمرة.

وقد أقرّ الله عز وجل في آية أخرى حدوث الزلازل كأداة تدمير للبشرية يوم القيامة في الآية } إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا { [الزلزلة1-2].

أما الآية } وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ { فهي تأكيد وتوضيح لما أسلفت من تفسير للآية السابقة، فتسيير الجبال بما يتطلبه من تسيير الصفائح القارية الحاملة لها يؤدي إلى تقطيع الأرض، أي فصل الصفائح القشرية المتلاصقة، ولفظ ((قطعت به الأرض)) هنا يعزز ما أسلفنا من تفسير الآية } وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ {

وأخلص هنا أن القرآن أقرّ الأوصاف التالية لجيولوجيا القشرة الأرضية:

  1. القشرة الأرضية صفائح صخرية متجاورة.
  2. البطء الشديد جداً لحركة الصفائح القارية لدرجة تقارب السكون ظاهرة حيوية لبقاء الحياة، وأن تسييرها بسرعة أو التصادم بينها والنتائج الجيولوجية الناجمة عن ذلك كانكسارات وبروز عند مناطق التصادم لإفناء الحياة فوقها.
  3. حدوث الصدوع القارية كخاصية من خواص القشرة الأرضية.
  4. الدور العظيم لمجاري المياه في النحر والنحت والتغيرات القشرية.
  5. التشققات الأرضية وطبيعة الصخور التي تحويها تشكل مصائد المياه الجوفية.

كما يحدثنا القرآن الكريم عن ثبات حركة الجبال وعلاقتها بثبات الصفائح القشرية (قطع الأرض) في قوله تعالى: } وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ { [الرعد31]، والنص واضح والحقيقة العلمية فيه ناصعة لا تحتاج لبيان أو إيضاح فهو يتحدث عن هول عظيم وارتباك لديناميكية الأرض قد تسير به الجبال، وبالتالي تتباعد صفائح القشرة وقطعها المختلفة فينقطع امتدادها.

ومن أدرى محمداً صلى الله عليه وسلم بالعلاقة بين الجبال وصفائح القشرة الأرضية، أو أن القشرة الأرضية ليست كتلة واحدة بل قطع متلاصقة يمكن أن تنفصل وتتقطع، وأن الفاصل بينها هو الجبال الثابتة، ويقول سبحانه تعالى أيضاً في نفس المعنى: } تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا { [مريم 90].

أي أنه ليست الجبال هي الراسيات من تلقاء نفسها، ونتيجة لكتلتها الهائلة فقط بل إن تلاصق الصفائح الأرضية القشرية (قطع الأرض) هي التي تحجز الجبال بينها أيضاً وتمنعها من الانهيار والتهاوي.

(الجديد في المنظار العلمي للقرآن المجيد – د. أسامة الشبراوي، ص 73, ص123 )

 

نصب الجبال

دعانا الله سبحانه وتعالى إلى النظر في آفاق الكون والتأمل في بديع خلقه وصنعه حتى يتقوّى اليقين, فقال عزّ من قائل: }أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ { [الغاشية17-20].

ويلزم الإحاطة من فروع علوم الأرض لكي نفهم كيف تنصب الجبال، إنها عملية غاية في التعقيد تتطلب معرفة أنواع صخور الجبال وبُنياتها، ومكونات الصهارة (المجما) التي تصعد من جوف الأرض، والعوامل التي تؤثر على الأرض سواء من داخلها أو على سطحها، وأخيراً معرفة تفسير الآلية التي تبرز فيها الجبال في ضوء نظرية ألواح الغلاف الصخري.

وكلما نمت المعارف الجيولوجية كلما بدأنا نفهم توجيه قوله تعالى: }وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {،  وكلما ارتفعت سلاسل الجبال كلما كانت الجبال أحدث عمراً، فجبال الهيمالايا التي تحوي على أعلى قمة في العالم اليوم بدأ نصبها منذ 45 مليون سنة، بينما توقف رفع جبال الأبلاش منذ 250 مليون سنة.

ولا تبرز فجأة، بل يستغرق تكوين الجبال ونصبها ملايين السنين عبر رحلة شاقة ضاربة في أعماق الزمان، وفي أثناء تلك الفترات تتراكم الرواسب ثم يعتريها التشوه والتصدع ثم ترفع الجبال، وقد تنصب الجبال بأن تصطدم قارة بقارة أخرى.

وإليك على سبيل المثال قصة نصب سلاس جبال الهيمالايا، فالهند كانت تقع على الحافة الجنوبية لبحر قديم لا وجود له اليوم اسمه بحر التيثي ( Tethyan Ocean ) بينما كانت تقع التبت عند الحافة الشمالية لذلك البحر العظيم، كان ذلك منذ قرابة المائة مليون سنة، وقطعت الهند مسافة حوالي 1500 كم في أثناء زحزحتها باتجاه آسيا، إلى أن أتى وقت اختفى البحر وابتلعه جوف الأرض، وجاءت لحظة التصادم المحتومة وعند نطاق التصادم دكّت الهند دكاً، وسحقت التبت سحقاً، ركبت الأخيرة فوق الهند وحينئذ نصبت الهيمالايا.

حقاً إنها أشبه بقيامة صغرى تعلو فيها قارة فوق قارة،  والأعجب أن تبرز الجبال من رحم المحيط،  وجبال عُمان الشمالية خير مثال على ذلك، فحول العاصمة مسقط يمكن أن ترى قاع بحر قديم قد ألقي على اليابسة نتيجة تصادم قاع ذلك البحر بيابسة العربية،  وامتطى قاع البحر سطح الأرض،  وأثناء التصادم، ذلك التصادم المريع نقلت جبال من أماكنها بالكامل لمئات الكيلو مترات.

وتنشأ جبال وتنصب من جراء تصادم قارة بقارة مجاورة، أو قارة وقاع بحر، أو قاع بحر ينطبق من منتصفه، وأيضاً من رحم البحر المشقوق من منتصفه، أو القارة المنشطرة، وما أوتينا من العلم إلا قليلاً.

وتبقى كلمات القرآن حافزاً للعقل البشري ليبحث في قوله تعالى: }وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {، ويثبت العلم الحديث أن الجبال تنشأ بفعل حركة قطع الأرض المتجاورات، حيث تتصادم القطع المتجاورة أو تتباعد، ومن تصادمها وتباعدها تبرز سلاسل الجبال، يقول تعالى: }وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا { [الرعد31].

(بحث د. حسني حمدان الدسوقي حمامة – المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المطهرة).

أما التوزيع الحالي للقارات فوق سطح الأرض، فهو في واقع الأمر ناتج عن التحولات الناجمة عن تحرك القطع السطحية للأرض، فقبل 200 مليون سنة لم تكن الأرض إلا كتلة واحدة أي قارة واحدة، وبعد ذلك ونتيجة لتحرك الألوح انقسمت هذه القارة إلى جزئين، جزء شمالي وكان يضم أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا، وجزء جنوبي كان يضم أمريكا الجنوبية وأفريقيا والبحر المتجمد وأستراليا والهند، وهكذا بمرور الحقب الجيولوجية ونظراً لعملية التحرك المستمر انقسمت هذه الأجزاء بدورها لتعطي الهيئة الحالية التي يشكّلها سطح الأرض.

هذه النظرة التي كانت محل انتقادات كثيرة، وضعها العالم الألماني Alfred Wegner سنة 1910، إلا أنها بدأت تكتسب مصداقيتها بعد سنة 1960 حيث توضّحت المفاهيم وبدأ الفهم الصحيح يتجلّى حول تحرّك قطع السطح، فما الأصل في تحرك هذه الصفائح؟

وبعد الحرب العالمية الثانية تمكنت كبريات الرحلات الاستكشافية لأعماق المحيطات من إثبات أنواع مختلفة من التحركات عند حدود القطع السطحية وأهمها حركة التباعد بين صفيحتين والتي قد تكون متوازية على طول الحدود بين الصفيحتين وقد تكون غير متوازية فتجري في شكل شبه دائري أو جانبي، وهناك حركة التدافع بين صفيحتين والتي غالباً ما تنتهي بانزلاق واحدة تحت الأخرى من جراء الضغط، فلقد تم اكتشاف سلاسل جبلية في أعماق المحيطات تأخذ شكل حزام يبلغ ارتفاعه من 2000 إلى 4000 متر مكوّن من تراكم حمم بركانية بازلتية تتدفق باستمرار من وسط الحزام فتتراكم على جنباته مكوّنة قشرة قاع المحيطات، لكن الملاحظ في شأن هذا الحزام الذي يشكّل الحد الفاصل بين صفيحة وأخرى هو أن سمكه يظل قاراً رغم التراكم المستمر للحمم البركانية على جنباته، ولذا وبما أنه يبدو غير منطقي أن يحصل تراكم ثم يستمر دون أن يرتفع سمك الركام فإنه يتحتّم علينا منطقياً أن نقرّ بوجود تحرك أفقي جانبي للصفائح، إذ لا يمكن للتدفقات البركانية التي تُفرز من الحزام على طرفي الصفيحتين إلا أن تلتحم مع القشرة عند تبرّدها مما يزيد في طولها بشكل غير ملحوظ، وبما أن القشرة تمتد باستمرار فقد يحدث اختلال في التوازن إذا انعدمت هناك معادلة خاصة للتكافؤ.

وهذا الاختلال لا يمكن أن يحصل لأن القانون الموجّه لهذه الأشياء محكم القواعد، فلئن كانت عملية التباعد بين صفيحتين تُنتج إفراز كميات هامة من المواد الباطنية تزيد في طول الصفيحة باستمرار، فإن هناك بالمقابل عملية تدافع تجري بالموازاة في الجانب المعاكس لكل صفيحة وتعمل على التخلص من الكميات الزائدة بدسّها في بطن الأرض المنصهر، فكما ثبت التباعد بين الصفائح فكذلك التقارب في الأطراف المعاكسة منها حيث يؤدي الضغط الناتج عن التدافع إلى انزلاق إحداهما تحت الأخرى ( Subduction ) فتغوص أكثرهما ثقلاً وهي الأكثر قدماً، ونظراً للكثافة العالية للصفائح البحرية، فإن هذه الأخيرة تبقى دائماً هي المرشحة لأن تندسّ تحت الصفائح البرية، فينتهي الأمر بخسوف جانب الصفيحة البحرية تحت البرية ولا يحدث العكس في حدود معرفتنا.

وهكذا تغوص الصفيحة البحرية وتندس أطرافها تدريجياً في عمق الأرض حيث تنصهر موادها وتتحلّل مع الزمان فيُنقص من طول الصفيحة عند هذا الطرف بينما يُزاد عند الطرف الآخر، وتستمر العملية في تناسق تام بين جانب تنشأ فيه قشرة الأرض وجانب تفنى فيه، فيكون سطح الأرض بمثابة بساط ينشأ عند أطرافها المتباعدة ويتآكل عند أطرافها المتدافعة، وما نقص من هذا الجانب يزيد في الجانب المعاكس وفق حلقة مغلقة قُدّر فيها عمر مادة السطح بين نشوئها وفنائها (أي في دورتها بين صلب سطح الأرض وصهارة بطنها) بحوالي 200 مليون سنة.

هذا الحزام الذي هو الشريط الحدودي بين مختلف قطع سطح الأرض، يوجد في أعماق 3000 متر داخل المحيطات ويكوّن سلسلة هائلة من المرتفعات تحيط بالكرة الأرضية على مسافة تتجاوز ضعفين ونصف محيط الكرة الأرضية، ويُعتبر إن صح التعبير المصنع الرئيس لقشرة قاع المحيطات إذ ينتج ما مقداره خمسة سنتمترات طولاً في السنة بالنسبة للمناطق ذات التمدد البطئ كالمحيط الأطلسي، أو مقادير تتجاوز العشرة سنتمتر في مناطق أخرى كمنطقة الشرق من المحيط الهادئ حيث ينتج 12 كيلو متر مكعب من القشرة في السنة.

وقد أثبتت الاكتشافات العلمية فيما بعد أن سلسلة المرتفعات الناتجة عن هذا الحزام تتجاوز70 ألف كم طولاً ولها ما بين 1000 و3000 كم عرضاً، أما متوسط ارتفاعها فيتراوح ما بين 1500- 2000 متر، وباختصار يمكن القول بأن السلسلة تشغل ما بين ثلث وربع مساحة المحيطات أي ما يعادل نسبة القارات من مساحة سطح الأرض، فالسلسلة تنطلق من خليج كاليفورنيا وتعبر من الشمال إلى الجنوب شرق المحيط الهادئ مارّة بالكلاباكوس والتشيلي ثم تمرّ بين استراليا والمحيط المتجمد الجنوبي لتتوجه نحو المحيط الهندي حيث تنقسم إلى شعبتين إحداهما في اتجاه البحر الأحمر وخليج عدن والأخرى تحيط بإفريقيا من الجنوب لتلج المحيط الأطلسي وتقسمه في اتجاه الشمال إلى شطرين متساويين ثم تصل في أقصى الشمال إلى المحيط المتجمد الشمالي لتغوص تحت كتله الثلجية الهائلة.

وقد بيّنت المعطيات العلمية أن هذا الحزام الذي يحيط بالكرة الأرضية كلها ويغطي هو وتشعباته تحت المحيطات مساحة 150 مليون كم2 أي ما يعادل مساحة القارات الخمس، هو عبارة عن سلسلة من الانكسارات والتشقّقات والتصدعات الناتجة عن التحرك المستمر للصفائح وأجزائها، فإذا أقررنا بهذه المعطيات التي تفيد أن الثلث تقريباً من قعر المحيطات مصدّع مع ما تمثله نسبة الانكسارات والتصدعات على سطح اليابسة، فإننا نقرّ بأن سطح الأرض ليس جزءاً واحداً ولكنه مجموعة أجزاء متماسكة يلعب فيها عامل الصدع دوراً أساسياً في تركيبها وحركتها وتطوّرها، وصدق العظيم حيث يقول: }وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ { [الطارق12].

وهذه دلالة أخرى من دلالات صنع الله تجلت لهنا ملامحها من خلال تناسق الظواهر على سطح الأرض ما بين صفائح متحركة وتشقُّقات متسلسلة وصهارة تتدفق من فجوات الحزام على جنبات الصفائح، وكأننا بمصنع هائل في أعماق المحيطات فيه يبدأ الصنع عند خط التباعد بين الصفائح وفيه يُعاد ما صنع إلى باطن الأرض عند خط التدافع، فلو تتبعنا ما صُنع في الجانب المتباعد للصفيحة لوجدنا أن يتحرّك مع الصفيحة حتى إذا وصل إلى الجانب المتدافع أوشك عمره على الفناء فيغوص تحت الصفيحة الأخرى وينفذ إلى الأعماق فينصهر وتساق مركباته عبر دواليب بطن الأرض في دورة دائبة لتعود وتتدفق من جديد فتتصلب وتكوّن طرفاً جديداً من سطح الأرض، فسبحان المبدئ المعيد وهو القائل: }أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ { [العنكبوت19].

 (بحث الأستاذ عبد الإله بن مصباح – بحوث المؤتمر الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، ص24-25)

والسؤال هنا على أي شيء أقسم الله في قوله تعالى: }وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ { ونبادر بالقول بأن الله يقسم بما يشاء على ما يشاء، وعظمة المقسَم عليه تأتي من عظمة صاحب القسم، وهنا يتجلى دقة المصطلح العلمي القرآني (الصدع) ويتجلى وجه من وجوه الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، فمن حيث دقة اللفظ فقد يُراد الصدع كجنس – أي جنس الصدوع، وقد يُراد به صدع بعينه، والحقيقة أن الصدع يمثّل بنية أساسية في غلاف الأرض الصخري، وقشرة الأرض ممزّقة بشبكة هائلة من الصدوع، ولا تكاد تخلو منطقة من الأرض حتى المسطحة المستوية منها من وجود صدوع على سطح الأرض، أو تحت الأرض، وفي المناطق الجيولوجية، تتعدّد اتجاهات وأبعاد وأنواع الصدوع.

و الصدوع من المعالم الرئيسية التي جعلت الأرض مهاداً وفراشاً وسبلاً، ولولا الصدوع ما تكوّنت أغلب السبل الفجاج في الجبال، كما أن الكثير من الأنهار شقّت مجاريها عبر صدوع الأرض، والكثير من ثروات الأرض تكوّنت وتركّزت عبر الصدوع، ولذا فإن الصدع شيء عظيم جداً أقسم الله به.

ولسوف نزداد عجباً لو علمنا أن وجود أعظم منظومة للصدوع، والتي اكتشفها العلماء منذ قرابة أربعين سنة فقط توجد عبر أطول سلاسل جبال الأرض، المعروفة بحيد وسط المحيط الذي أشرنا إليه من قبل، وذلك الصدع يقطع تلك السلسلة الجبلية إلى أجزاء عديدة، وتلك المنظومة من الصدوع تمتد بمحاذاة أواسط محيطات العالم قاطعة المحيط الهادي والمحيط الأطلسي والمحيط الهندي والبحر الأحمر، وتسمى تلك المنظومة بمنظومة صدوع الانزلاق أو صدوع المضرب المنزلقة ( Transform or strik – Slip Faults ). فما أروع القسم القرآني }وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ {؟

(بحث د. حسني حمدان الدسوقي حمامة – المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المطهرة).

 

                                    أصل وعمر الجبال

الجبال كتل جبارة تبرز بوضوح فوق سطح الأرض، وتعتبر تحركات القشرة والنشاط البركاني وتصادم ألواح الليثوسفير والتعرية الجزئية كلها عوامل هامة في تكوين الجبال.

ومن العسير أن نحدّد الإجابة على سؤال يبدو سهلاً وهو: (كم عمر هذه الجبال؟) فقد نقوم بتعيين عمر الصخور التي تكون هذه الجبال، وهذا يعطينا جواباً واضحاً لجميع الجبال ألا وهو عمر الأرض.

ولكن الجبال الحالية مثلاً لم تتكوّن مع نشأة صخورها على الأرض، لأن عمر هذه الجبال يعود فقط إلى زمن حدوث الانثناءات والالتواءات وقوى الرفع، ولهذا فإن النتيجة المطلوبة سوف تكون عمراً آخر غير عمر الأرض، فالجبال قد تكونت على مراحل بدأت في الماضي بعوامل تعرية وترسبات سبقت تكوين الجبال، وبهذا فإن الجواب المتكامل لعمر أي جبل يجب أن يشمل هذه الاحتمالات.

ولقد دلّت الدراسات الجيولوجية بأن الطور الابتدائي في نمو معظم الجبال هو تكوين أحواض رسوبية على هيئة مناطق ممتدة منخفضة لتجميع الرواسب عبر أحقاب زمنية طويلة، وربما يكون هذا الترسيب سبباً أنه في معظم سلاسل الجبال الضخمة الحالية قد نشأت في مناطق كانت في الماضي قيعاناً لبحار قديمة تم فيها تراكم الرواسب لسمك بلغ عدة أميال أو أكثر في عملية هائلة تمثل أحد الأسرار الكبيرة في علم الجيولوجيا!!

فلقد تراكمت أيضاً في هذه الأحواض كميات هائلة من اللافا المنطلقة من البراكين مرات متتالية وتراكمت أيضاً صخور جرانيتية وبازلتية ضخمة وصخور متحولة بكميات هائلة في هذه الأحواض الرسوبية، ثم انضغطت هذه الأحواض في فترة معينة من طرفيها بقوى هائلة أدت إلى بروز هذه الصخور فوق السطح، والتي كانت سابقاً مدفونة في الأعماق، وبذلك رفعت الصخور بقوة جبارة أزاحت الستار عنها وأصبحت جبالاً شامخة تدعونا للبحث والتأمل.

ولقد تم التعرف على هذه الظواهر علمياً ولوحظ تكرارها من جبل إلى آخر،

ورغم اختلاف التفاصيل بحيث أن عملية الترسيب وتتابع الحوادث صفات مشتركة واضحة في معظم الجبال.

وطبقاً لتحرك ألواح القشرة الأرضية فإن التتابع الزمني لهذه الحوادث قد يتم في منطقة تصادم أو التقاء هذه الألواح المعروفة بالليثوسفير، وهذه النظرية بالإضافة إلى تكون أحواض الترسيب وظاهرة مد قيعان البحار قد تساعدنا في تفسير الآيات القرآنية التي تصف عملية مدّ أو امتداد الارض قبل عملية إرساء الجبال الرواسي (الرواسي في اللغة العربية أجسام طافية مثبتة مثل السفن المرتبطة بالشاطئ مما قد يعطي مفهوماَ للجبال الرسوبية وأحواض الترسيب).

ويذكر القرآن الكريم عملية مدّ الأرض في ثلاث آيات مختلفة مما قد يشير إلى ثلاث فترات جيولوجية لإرساء الجبال لأن كل آية تتحدث فيما يبدو عن فترة جيولوجية معينة من فترات الخلق.. وهذه الفترات الثلاث يمكن ترتيبها زمنياً من الأقدم إلى الأحدث طبقاً لترتيب الوصف القرآني كما يلي:

}وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ { [الحجر16-19]

}أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ { [ق6-7].

}اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ { [الرعد2-3].

وهذه الآيات تبيّن أن الله تعالى هو القوة المطلقة التي تخلق كل شيء، وتمنح الوجود والحياة, وتحافظ على استمرار الكون من خلال قوانين وضعها سبحانه وتعالى للتنظيم والتحكم الشامل.

كما أن هذه الآيات بعباراتها الجميلة تدعونا للتفكير والتأمل في أسرار وروعة السماوات بما فيها من نجوم لا تحصى ولا تعد كمصادر للضوء المنبعث ذاتياً وكواكب وأقمار كمصادر للضوء المنعكس، وكمثال لقوانين الحركة والنظام والتماثل وغير ذلك من ظواهر كونية تخضع دون خطأ لقوانين رياضية ذات تقدير إلهي.

حقاً إن الصدفة العمياء لا تستطيع أن تؤلّف هذه القوانين بهذا النظام والتماثل، وليس أمامنا نحن البشر إلا الاعتراف بوجود الله الخالق المنظم سبحانه وتعالى.

وبالإضافة إلى المعاني السابقة فإن هذه الآيات الثلاثة تبيّن عملية معينة مشتركة وأساسية تم فيها مدّ الأرض قبل إنشاء الجبال مما قد يشير إلى عمليات الترسيب التي تتراكم فيها الرواسب في البحار مؤدية إلى زيادة مساحة اليابسة أي مدّ الأرض، ولكن لماذا وصف الله هذه العملية ثلاث مرات في ثلاث آيات مختلفة؟

وربما يشير هذا الوصف المتتالي إلى تعاقب زمني لثلاث ثورات جيولوجية تبيّن تطور شكل سطح الأرض بواسطة ثلاثة التواءات متتابعة حدثت في عصور مختلفة من تاريخ الأرض.

وبالرجوع إلى هذه الآيات القرآنية نلاحظ ما يلي:

  1. الآية الأولى [الحجر16-19]: تتناول الخلق الأول للجبال على كوكب الأرض وتزيّن السماء بالبروج، وبهذا فإن الجبال المذكورة هنا قد تمثل أقدم الجبال ربما في فترة التواءات ما قبل الكمبري (منذ فترة تتراوح بين 570 مليون إلى 4500 مليون سنة).
  2. الآية الثانية [ق6-7]: تشير إلى مدّ الأرض وإلقاء الرواسي بعد فترة غير محددة من تمام بناء السماء وتزيينها كما هو واضح من سياق الآية، وبهذا فمن الجائز أن يكون المقصود هنا فترة الالتواءات الكاليدونية والهرسينية (منذ 250 مليون إلى 400 مليون سنة)، كما أن النباتات بأزواجها البهيجة المختلفة الأنواع المذكورة في هذه الآية قد تشير إلى صحة هذا الافتراض.
  3. الآية الثالثة [الرعد2-3]: قد تشير إلى الجبال الحديثة ربما في فترة التواءات الألب والهملايا (منذ 65 مليون سنة) لأن تعبير الأنهار والثمار من كل نوع يعطي انطباعاً بالتضاريس الحديثة للأرض، وعلاوة على ذلك فإن التعبير القرآني يغشي الليل النهار المذكور هنا بدون وصف حال الإغشاء بعبارة (يطلبه حثيثاً) المذكورة في آية أخرى [الأعراف54] يبين لنا أن دوران الأرض حول نفسها في المراحل المبكرة للخلق كان سريعاً وأما الآن فقد أصبح بطيئاً عن ذي قبل وبالتالي فإن الجبال المذكورة هنا جبال حديثة.

وبهذا نرى أن القرآن الكريم يشير إلى جبال ذات أعمار مختلفة قد تنطبق على فترات الالتواءات الثلاثة التي تم التعرّف عليها في العلم الحديث، وبهذا يتضح لنا أن الله سبحانه وتعالى يبيّن آياته في الكون بأسلوب رائع وإنجاز علمي بالغ. وقد أمرنا الله بالنظر والتدبر في هذه الآيات. ولو تمعن الإنسان في آيات القرآن الكريم فلن يساوره أدنى شك في عظمة وصدق كلام الله،  الذي يقول سبحانه وتعالى في وصفه:

}لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ { [الحشر21].

وهنا يؤكد القرآن أن الجبال رغم ارتفاعها وصلابة صخورها وشموخها، فإن الوحي الإلهي أعلى سمواً لدرجة أن الجبال نفسها تخرّ تواضعاً أمام هذا القرآن العظيم.

فهل تصل كبرياء الإنسان وعجرفته إلى درجة العناد والترفع على هذا الوحي العظيم!! وأن يصبح قلب الإنسان من القساوة لدرجة عدم التأثر بهذه الرسالة القرآنية القوية الخالدة؟ والجواب بانغماسهم في الخطيئة ينكرون الرسالة لأنهم أحقر المخلوقات.

(القرآن الكريم والعلم الحديث – د. منصور محمد حسب النبي، ص70-73)

 

استقرار الجبال

من ينظر إلى الجبال يبهر بضخامتها غير العادية، بالأخاديد والمنحنيات المنتظمة التي تركتها الثلوج والسيل والجداول على سطحها، وبكفافها الناعم الذي زين بالزهور والنباتات والأشجار.

فالجبال أضخم شيء ملموس يراه الإنسان على سطح هذه البسيطة، وربما كانت هذه الضخامة وهذا الخلود النسبي لتلك الجبال من الأسباب التي أوحت إلى أجدادنا القدماء أن يبنوا مقابرهم في أهرامات ضخمة تهتز المشاعر لرؤيتها آملين أن تستمد أجسادهم وأرواحهم بعضاً من هذا الخلود.

أما كيف شيّدت هذه الجبال؟ وكيف تستقر على سطح الأرض؟ ولا بد أن هذه الأسئلة دارت بخلد الكثيرين قبلنا ولكن الإجابة عليها لم تتوافر لدينا إلا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشري.

ويفسر ثبوت الجبال على الأرض حالياً بنظريتين أساسيتين غير متعارضتين بل نجدهما في أغلب الأحيان متكاملتين، فهناك جبال نستطيع أن نفسر استقرارها حسب النموذج الأول وجبال أخرى يتبع أمر ثبوتها النموذج الثاني.

ففي النموذج الأول تستقر الجبال على قاعدة صخرية صلدة تكونت قبل العصر الكمبرياني أي منذ أكثر من 600 مليون سنة، وهذه القاعدة تمثّل أساس أو جذر الجبل تحت سطح الأرض، وفي العادة ينفذ هذا الجذر خلال القشرة الأرضية إلى المعطف العلوي، وبالرغم من أن صخور المعطف العلوي الزيتونية أكبر كثافة من صخور القشرة إلى أنها أيضاً أكثر سيولة، ولذلك تبدو القشرة الأرضية وكأنها عائمة فوق الصخور الزيتونية كما تعوم القشدة فوق سطح اللبن.

وتمتد قاعدة الجبل أو جذوره تحت سطح الأرض بمسافة لا تقل عن ثلثي ارتفاع الجبل فوق سطح الأرض ولذلك ينفذ هذا الجذر غالباً خلال القشرة الأرضية ويتغلغل في معطفها إلى مسافة غير قصيرة.

وفي هذا النموذج يشبه تكوين الجبل وجذوره جبال الثلج التي نجدها عائمة في المحيطات في المناطق الشمالية والتي تمتد جذورها إلى عشرات الأمتار تحت سطح الماء. كذلك نجد تشابهاً ملحوظاً بين الطريقة المتبعة في بناء المباني الشاهقة ذات الأساس العميق وبين هذا النموذج لتكوين الجبال.

وقد أكدت الدراسات الخاصة بعلم الزلازل أن سمك القشرة الأرضية يتغير من مكان لآخر، وأنها أقل سمكاً تحت المحيطات وأكثر سمكاً تحت الجبال.

أما النموذج الثاني فيتلخص في الاستعاضة بتقوس أو انحناء في القشرة الأرضية وفي صخور المعطف الملاصقة لها تحت ثقل الجبل بدلاً من جذر الجبل العميق.

ومعنى ذلك أن وزن الجبل وضغطه على القشرة الأرضية يوزّع في هذا النموذج على منطقة أكبر بالمقارنة بالنموذج الأول، فيحدث انبعاج إلى أسفل في كل من القشرة الأرضية والجزء الملاصق لها من المعطف العلوي.

وإذا حصرنا سلاسل الجبال المعروفة وقارنّاها بهذين النموذجين لوجدناها كلها تتبع أحد النموذجين أو خليطاً منهما، فجبال الهملايا التي يزيد ارتفاع قممها على 8 كم يصل سمك القشرة الأرضية تحتها إلى 55 كم وتتبع خليطاً من النموذجين، ولو أنها تبدو أقرب إلى النموذج الثاني.

أما سلاسل جبال التبت فعلى العكس نجد لها جذوراً أعمق، ويتراوح سمك القشرة الأرضية تحتها بين 65 أو 70 كم، فهي تتبع في تكوينها النموذج الأول.

أما جبال الألب الأوروبية فتشبه إلى حد كبير جبال الهملايا وتستقر على الأرض حسب نفس النموذج… وهكذا.

وقبل أن نعود إلى الآيات الكريمة نلخص فيما يلي أهم نتائج هذا العرض السريع:

  1. القشرة الأرضية والجزء الملاصق لها من المعطف العلوي يتحركان أو يعومان على الجزء الأسفل من المعطف العلوي لسيولته.
  2. تستقر الجبال على سطح الأرض بطريقتين أساسيتين وحسب نموذجين معروفين: الأول بفضل جذور عميقة تمتد إلى داخل المعطف العلوي وتنفذ في أغلب الأحيان خلال القشرة الأرضية. والثاني بفضل تقوس أو انبعاج في القشرة الأرضية والجزء الصلب من المعطف العلوي الملاصق للقشرة الأرضية.
  3. قد تستقر الجبال أيضاً تبعاً لخليط من النموذجين، أي جذور ضحلة نسبياً وفي نفس الوقت بعض الانبعاج والتقوس في القشرة الأرضية وفي الجزء الملاصق لها من صخور المعطف العلوي الزيتونية.

(آيات قرآنية من مشكاة العلم – د. يحيى سعيد الحجيري، ص175-177)

 

الجبال الأوتـاد

يقول تعالى: } أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا { [النبأ7-8].

(المهاد والمهد) في اللغة العربية تعني الممهد الموطأ من كل شيء، ويطلق على الفراش لبسطه وسهولة وطئه، ويقال (مهد الفراش) أي بسطه ووطأه، (والمهاد) ما يهيأ للصبي من فراش وثير، (وتمهيد) ا لأمور إصلاحها وتسويتها و (تمهيد) العذر هو قبوله وبسطه.

وجعل الجبال أوتاداً، يدركه الإنسان من الناحية الشكلية بنظره المجرد، فهي أشبه شيء بأوتاد الخيمة التي تشد إليها، أما حقيقتها فنتلقاها من القرآن، وندرك منه أنها تثبّت الأرض وتحفظ توازنها.

وقد يكون هذا لأنها تعادل بين نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال، وقد يكون لأنها تعادل بين المرتفعات في الجبال، وقد يكون لأنها تعادل بين التقلصات الجوفية للأرض والتقلصات السطحية، وقد يكون لأنها تثقل الأرض في نقط معينة فلا تميد يفعل الزلازل والبراكين والاهتزازات الجوفية، وقد يكون لسبب آخر لم يكشف عنه بعد، وكم من قوانين وحقائق مجهولة أشار إليها القرآن الكريم، ثم عرف البشر طرفاً منها بعد مئات السنين!

(والجبال أوتاداً) كالأوتاد للأرض، أي أرسيناها بالجبال لئلا تميد وتضطرب، كما يرسى البيت بالأوتاد لئلا تعصف به الرياح، جمع وتد بفتح التاء وكسرها، وفعله كوعد.

وفي تعليق هامشي أضاف أصحاب المنتخب ما نصه: “يبلغ سمك الجزء الصلب من القشرة الأرضية نحو 60 كم، وتكثر فيه التجاعيد فيرتفع حيث الجبال وينخفض ليكوّن بطون البحار وقيعان المحيطات، وهو في حالة من التوازن بسبب الضغوط الناتجة من الجبال ولا يختل هذا التوازن إلا بعوامل التعرية، فقشرة الأرض اليابسة ترسيها الجبال كما ترسي لأوتاد الخيمة.

      والوتـد هو كتلة من الخشب مدببة الطرف تثبت بها أركان الخيمة إلى الأرض سواء كان ذلك تراباً أم صخراً، أغلبها يكون مدفوناً في الأرض وأقلها يكون ظاهراً فوق السطح ووظيفتها التثبيت.

وحينما درس العلماء الجبال وجدوا أن امتداداتها أكبر في داخل الأرض من ارتفاعاتها فوق مستوى سطح البحر، ولا نجد وصفاً لذلك أبلغ من لفظة وتد التي تصف كلاً من الشكل الظاهري والامتداد الداخلي والوظيفة.

فسبحان الله الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة من السنين قوله الحق: } والجبال أوتاداً{ فالجبل وتد حقيقي أقله ظاهر فوق سطح الأرض، وأغلبه مدفون في باطن الأرض، ووظيفته التثبيت.

وكون القرآن الكريم الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة يصف الجبال بأنها أوتاد فهذا سبق علمي مبهر لم يصل إليه العلماء إلا في القرن العشرين، وهو وصف في غاية البلاغة وفي غاية الإعجاز لأنه استطاع بلفظة واحدة وصف كل في الشكل الخارجي والامتداد الداخلي والوظيفة، ولا يزال العديد من الناس يجهلونه إلى يومنا هذا.

ففي عام 1992 كتبت عن الجبال كتاباً نشر في أمريكا، وفي مقدمة الكتاب جمعت التعاريف اللغوية والعلمية والمعطاة للجبال في عدد من قواميس اللغة وقواميس العلم ومراجعه باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، فوجدتها كلها تجمع على أن الجبال مجرد نتوءات فوق سطح الأرض، يزيد ارتفاعها على 310 متراً فوق سطح البحر أو فوق 610 أمتار فوق هذا المنسوب، وكأنه تعبير نسبي يختلف باختلاف تضاريس الأرض.

ومن المعروف علمياً أن قشرة الأرض أكثر عمقاً تحت الجبال مما يؤكّد وجود جذور لسلاسل الجبال العالية قد تصل إلى عمق قدره 40 ميلاً تحت سطح الأرض طبقاً لأحدث قياسات القرن العشرين، مع العلم بأن أعلى قمم الجبال المعروفة تصل فقط إلى ارتفاع قدره 5.6 ميلاً فوق سطح الأرض.

ويمكن توضيح الشبه المذكور في الآية القرآنية السابقة بين الجبال والأوتاد بأن الأوتاد تغوص تحت الأرض بقوة المطرقة والجبال تغوص الأرض بقوة الجاذبية.

والأوتاد تمسك الخيمة وتثبتها، بينما الجبال تعمل كهيكل عظمي يمسك بالأنسجة التي تمثل الأرض المحيطة بالجبال.

وقد يتضح علمياً في المستقبل أن الجبال تساهم في تثبيت الغلاف الجوي على سطح الأرض ومنعه من الهروب وكأن الجبال أوتاد تثبت الخيمة الجوية التي تعلو رؤوسنا وتحفظنا من الإشعاعات الخطيرة والشهب الحارقة.

وعلى أي حال فإننا يمكننا اعتبار القشرة السطحية للأرض كما لو كانت سجادة مثبتة بواسطة أوتاد (جبال).

ويأتي العلم التجريبي ليؤكّد على أن كل ارتفاع فوق سطح اليابسة له امتداد داخل القشرة يزيد أضعافاً عديدة تتراوح بين 10-15 ضعفاً على هذا الارتفاع فوق سطح الأرض تبعاً لكثافة صخوره، وكثافة الصهارة المنغرس فيهما.

وليست الجبال هي التي تطفو في نطاق الضعف الأرضي وحدها بل إن القارات أيضاً غائصة في هذه الصهارة كنوع من أنواع التثبيت، والجبال وسيلة رائعة لثبيت كتل القارات وجعلها صالحة للعمران، كما أنها وسيلة رائعة لتثبيت الأرض في دورانها حول محورها أمام الشمس، وهي تترنّح في حركات عديدة أهمها حركة الميسان (النودان أو التذبذب).

والقرآن الكريم يتحدث في أكثر من عشر آيات عن إرساء الأرض بالجبال:

يقول تعالى: }وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ { [النازعات32-33]

ويقول تعالى: }وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا { [الرعد3]

ويقول تبارك اسمه: }وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ{ [الحجر3]

ويقول سبحانه: }وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ { [الأنبياء31]

ويقول ربنا تبارك وتعالى: }أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ { [النمل61]

 (الجبال في القرآن الكريم – د. زغلول النجار ص84 – 85)

ويقول الدكتور خالد فائق العبيدي في كتابه (المنظار الهندسي في القرآن الكريم ص220): لكي يكون الوتد وتداً حقيقياً فلا بد أن يكون جزؤه المغموس تحت سطح الأرض أضخم من الجزء الظاهر فيه، وقد ثبت هذا في القرن العشرين الميلادي، إذ رصد العلماء الجزء المخفي منها إلى خمسة أمثال الجزء الظاهر من مثل جبال الهمالايا التي لا يتعدّى ارتفاع الجزء الظاهر منها 9 كم، وبالتالي تثبّت الخيمة وتمنعها من الزوال بفعل الرياح والعواصف والقوى الأخرى، فإن الجبال بأوتادها – أي بجذورها الضاربة في القشرة الأرضية والوشاح أحياناً – وبارتفاعها الشاهق فوق سطح الأرض ساعدت على الاحتفاظ بالغلاف الجوي مربوطاً بفعل الجاذبية الأرضية، ويمثل الغلاف الجوي هنا الخيمة التي تظلنا وتحمينا من الأشعة الضارة والشهب وما شابه.

وقد أثبت العلم الحديث أن الجبال ذات جذور صلبة مغموسة في مادة الوشاح وتحت قشرة الأرض فترسوا كما ترسو السفن، أو تطفوا في هذه المادة اللزجة كما تطفو السفن في ماء البحر أو المحيط مما يفيدنا في فهم النص القرآني الذي يقول المولى جل وعلا فيه: } والجبال أرساها { [النازعات32].

وبعد، فإن ما توصل إليه العلماء بعد هذه الجهود المضنية والبحوث الطويلة والدراسات المتعمقة طوال عقود متوالية من الزمن، أشار إليها القرآن العظيم بلفظة واحدة وهي أوتاداً.

وهكذا يتضح لنا أسرار هذا الكنز العظيم مع توالي القرون وانقضاء الزمن، مصداقاً لقوله تعالى: }لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ { [الأنعام 67]، وهكذا يكون العلماء أسبق من غيرهم في الشهادة لهذا القرآن بأنه الوحي الصادق من الله عز وجل: }وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ { [سبأ6].

(برنامج المعجزة الخالدة، قرص مدمج)

 

توازن الجبال والأرض

قد يعتقد الإنسان أن ثقل الجبال محمول بفضل قوة وصلابة القشرة الأرضية، ولكن هذه الفكرة ليست واردة الآن عند علماء الجيولوجيا، لأنهم يؤكدون توازن الجبال على الأرض بظاهرة تدعى الاتزان الأيسوستاتيكي، أي طفو الكتل القارية والجبال الأقل كثافة على طبقة أكبر كثافة في باطن الأرض، تماماً كالسفن الراسية.

وهذا التوازن الأيسوستاتيكي أثبت طبقاً للأبحاث الجيولوجية والتجارب الجيوفيزيائية أن الجبال تطفو فعلاً بواسطة جذورها (الأقل كثافة) المغمورة في رداء الأرض اللين (الأكبر كثافة) تحت القشرة مباشرة، وهذه الحقيقة العلمية تشمل أيضاً اتزان القارات مع أحواض المحيطات حيث يتم التوازن الرأسي بين الكتل الضخمة البارزة مثل الجبال العالية وبين ما يحيط بها من وديان ممتدة، وكذلك التوازن الرأسي بين القارات وأحواض المحيطات حيث تبرز القارات فوق مستوى البحر، لأن القارات تتكون من قوالب أو ألواح من المادة القشرية تطفو على الصخور الثقيلة اللينة للرداء وتتوازن في نفس الوقت مع الصخور الأكبر كثافة التي تغطي قيعان المحيطات.

وبذلك فإن الجبال تشبه السفن الراسية المثبتة في الشاطئ، لأن الجبال تطفو بواسطة الدفع الواقع على جذورها العميقة المغمورة في الصخور الثقيلة اللينة للرداء، علاوة على أن الجبال محاطة بالوديان المتزنة معها والتي تساعد على تثبيتها.

وإنه لمن المدهش أن تجد إشارة لهذه الحقيقة في التعبير القرآني الذي يستخدم الفعل “أرسى” في وصف إنشاء الجبال وتثبيتها، وهذا الفعل يطلق في اللغة العربية عادة على السفن الراسية، كما أن القرآن يطلق على الجبال لفظ (رواسي) وهو الاسم من فعل “أرسى” وكأن الجبال سفن راسية، ولم يدرك المفسرون المقصود من استخدام الفعل.

}أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ { [الغاشية17-20]

فهل يعجز الإنسان وهو يرى كل هذه الأشياء المدهشة أن يدرك الغرض من وجوده في هذه الحياة، وهل يرفض الإنسان الاتجاه نحو الخالق العظيم الذي سيحاسبنا على أعمالنا؟ وهل يخفق الإنسان في أن يثق في القرآن الكريم ذلك الكتاب المقدس الحقيقي الواضح الذي يمثل الوحي النقي الخالد؟ وهي يؤمن الإنسان بالآخرة؟ وهل يدري مصير الجبال يوم القيامة كما ورد في القرآن الكريم؟ ويصف الله عز وجل يوم القيامة على أنه زلزال عظيم يغيّر تماماً من وجه الأرض التي نعرفها، لدرجة أن الصخور الضخمة الصلبة للجبال ستصبح هشة كالهباء المتناثر كما في قوله تعالى: }يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا { [المزمل14]

ويضيف الدكتور عبد الهادي ناصر في كتابه (نظرات في الكون والقرآن، ص385 – 388) ما يلي:

الجبال موجودة على نوعين:

  1. جبال قارية: أي جبال القارات اليابسة ومكوناتها في الأساس من مواد رسوبية وقد تكونت بواسطة قوة ضاغطة.
  2. جبال محيطية: أي جبال المحيطات، ومكوناتها من صخور بركانية، وتكونت بواسطة قوى تمددية.

والعامل المشترك بين الجبال القارية والجبال المحيطية هي أن لكل منها جذوراً لتدعم الجبل… ففي حالة الجبال القارية فإن المادة الخفية القليلة الكثافة والتي هي من مكوّنات الجبل تمتد تحت الأرض كجذر.. أما في حالة الجبال المحيطية، فهناك أيضاً مادة خفية مكوّنها الرئيس الصوديوم تدعم الجبل كجذر، ولكنه في حالة الجبال المحيطية فإن مادتها الخفيفة أكثر مناسبة ليس فقط لأن التركيب خفيف، ولكن لأنه ساخن ولذا فإنها ممتدة بطريقة رقيقة… كوسائد التشحيم بين يابس الجبل ويابس الأرض، لضمان المرونة بين الجبال ولكبْت أي اهتزازات قد تنشأ من دوران الأرض حول نفسها، أو من تأثيرات غيرها من كواكب المجموعة الشمسية عليها.

ومن وجهة النظر العلمية الميكانيكية فالثابت أن الجبل يرسو على الأرض وبينهما مادة سائلة مائعة حاملة، تقوم مقام المحمل الهيدروستاتيكي متعدد الوسائل Multi – Pad Hydrostatic Bearing، وهذه الصلة المرنة بين تداخل الجبل وقشرة الأرض تتيح للجبل – وفي حدود ضيقة جداً حركة ثابتة لميد الأرض واهتزازها، والوصل هنا ليس بوصل جامد بجامد، وإلا لتهشمت القشرة الأرضية، وهذا التفسير الميكانيكي، وما يستتبعه من حركة نسبية للجبال على قشرة الأرض، جاء ضمن الآية } وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ {  [النمل88].

وبالطبع من وجهة نظر الكثافة فإن الجذور تؤدي نفس المهمة وهي دعم الجبل، لذلك فإن وظيفة الجذور هي دعم الجبال وفق قانون الطفو!! وصدق الله العظيم إذ يقول: } أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا { [النبأ 6 – 7 ].

وتثبيت الجبل في حد ذاته ليس نهاية المطاف، ولكن الثابت أن الجبل يلعب في الكون دوراً رئيسياً آخر وهو الإمساك بربط الجاذبية الأرضية بالغلاف الجوي المائي، الذي ييسر للأرض وللأحياء عليها مناخاً يحتمله الإنسان، حقاً إنه القرآن المعجز!!

أضف إلى ذلك أن الأرض تتحرك في الكون ثلاث حركات كونية رئيسية:

  1. حركتها حول نفسها.
  2. حركتها حول الشمس.
  3. حركتها والشمس حول مركز المجرة.

وكل هذه الحركات في حاجة من حيث الخلق والنشأة إلى اتزان متناهي في الدقة كشكل بيضاوي أو زيتوني، أو كُمَّثْري وليس كروي.

ولما كان ذلك كذلك… كانت الرواسي والجبال… لاتزان هذا الشكل الزيتوني الكمثري بحيث لا تهتز بنا الأرض!!

والاتزان بإضافة كتل وأجسام، نظرية معروفة في هندسة اتزان الأجسام الدوارة… سبحانك ما أرحمك يا ألله!! }وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ { [الأنبياء31].

وللجبال كذلك وظيفة ثالثة هي تثبيت قشرة الأرض ككل.. وهذا رأي أكابر علماء الجيولوجيا والفيزياء. فيذكر البروفسور ريموند سيفر في كتابه (الأرض، ص413 – 435) عن وظيفة الجبال ما يأتي:

– الجبل في شكل وتد.

– الجبل وتحته الجذر الغائص في الطبقة السفلى.

– إن للجبال دوراً كبيراً في تثبيت قشرة الأرض.

ويضيف د. أحمد فؤاد باشا في كتابه رحيق العلم والإيمان ص98 – 99 ما يلي: “أفاض العلماء والمفسرون حول تشبيه الجبال بالأوتاد، وهذا التشبيه المحذوف منه أداة التشبيه، والذي يسميه علماء البيان من أجل ذلك بالتشبيه البليغ، لأنه يجعل المشبه عين المشبه به توكيداً للشبه الشديد بينهما”.

ويقول الدكتور محمد أحمد الغمراوي في كتابه القيّم (الإسلام في عصر العلم): (إن التشبيه البليغ هنا هو من قبل الحق – سبحانه – ثم هو تشبيه للأعلى بالأدنى، وللفخم الرائع بالضئيل الممتهن عند الناس، فليس هو في شيء من تهويل الناس ومبالغاتهم في تشبيهاتهم البليغة، ولكنه دليل على أمور في الجبال هي من آيات الله في الخلق، تناظرها أمور يعرفها الناس في الأوتاد، على عظم الفرق بين الجانبين في النسبة والمقدار…).

وإذا كان المفسرون جميعاً قالوا في تفسير آية (النبأ): إن الله سبحانه ثبّت الأرض بالجبال كي لا تميد، كما تثبت بيوت الأعراب والخيام بالأوتاد، فإن الدكتور الغمراوي يرى أنهم في قياسهم هذا لم يكونا منطقيين دقيقين؛ لأن الأوتاد حين تدقّ في الأرض لا يقصد بها تثبيت الأرض ولكن تثبيت شيء فوق الأرض هو الخيمة.

فالدقة في قياس الجبال على الأوتاد في المنفعة والوظيفة تقتضي شيئاً فوق الأرض يعلو سطحها في جملته، ومسه في أطرافه كما تفعل الخيمة، وتكون الجبال معينة على الاحتفاظ به على الأرض.

فما هو الشيء الذي فوق سطح الأرض يعلوها كالخيمة، وتساعد الجبال على حفظه على الأرض؟ ثم ما هو العامل الآخر الذي يُتمّم عمل الجبال في الاحتفاظ بذلك الشيء كا يُتمّم عماد الخيمة عمل الأوتاد في حفظها؟

ويقول الدكتور الغمراوي: (أظن الجواب صار قريباً أو ينبغي أن يكون، فالشيء الذي فوق الأرض يعلو الناس ويعمل عمله في وقايتهم كما تعلو الخيمة أهلها وتقيهم أشعة الشمس والمطر، هو الغلاف الهوائي الذي يحيط بالأرض من جميع الجهات ويرتفع فوق سطح الأرض مئات الكيلومترات، ويكفي الناس على الأقل شر الشهب وشرّ المقدار المؤذي من أشعة الشمس البنفسجية وفوق البنفسجية.

أما الذي يعمل عمل العماد متمماً عمل الجبال، أو الجبال متممة عمله، فهو قوة الجاذبية بين الأرض وجملة الهواء، والعماد لم يرد لها ذكر في الآية، ولكن الآية تفيدها عن طريق اللزوم، إذ لا تقوم الخيام بالأوتاد إلا مع العماد، وهذا مثل عجيب للاكتفاء البلاغي في القرآن.

وهكذا يطرح الدكتور الغمراوي على بساط البحث العلمي ما يراه حقيقتين قرآنيتين لم يكشفهما العلماء إلى اليوم: أما الحقيقة الأولى فتتعلق بدور الجبال في حفظ الغلاف الجوي حول الأرض، وأما الحقيقة الثانية فتقضي بأن جاذبية الأرض وحدها غير كافية لاحتفاظ الأرض بجوها.(انتهى الإقتباس)

(رحيق العلم والإيمان – د. أحمد فؤاد باشا ص98-99)

 

الجبال الرواسي

يقول تعالى: }وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ  { [الأنبياء31].

ويقول تعالى: }وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا { [فصلت10].

والرواسي لغوياً جمع راسية أي راسخة ثابتة فتكوين الجبال يحدّ من عنف وتأثير اصطدام الصفائح القارية فترسو وتثبت.

إذن ففي نص الآيتين إشارة واضحة إلى تحرك وطفو صفائح القشرة الأرضية فوق الجوف السائل الملتهب، والجبال كمراسي لتلك الطافيات.

وقد دأب البعض على التشكيك في كون الجبال رواسي وراسيات، حيث أن كتلتها ضئيلة جداً بالنسبة لكتلة الأرض ككل وكذلك ارتفاعها يعدّ صغيراً جداً إذا ما قورن بقطر الكرة الأرضية الكلي، لكن التطور العلمي أثبت أن الكتلة الكلية والقطر الكلي للأرض ليس هما المقصودان هنا (قرآنياً وعلمياً) بل المقصود هو كتلة وسمك الصفائح القشرية الطافية فوق الجوف المنصهر والذي تعد كتلة السلاسل الجبلية العظيمة شيئاً هاماً في ضبط حركته وكبح جماحه تماماً مثل مانع الصدمات المثبت أمام وخلف السيارات والذي يحدّ من عنف تصادم الصفائح القارية.

ويقول الدكتور يحيى سعيد الحجيري في كتابه (نظرات علمية في القرآن الكريم ص180): إن القشرة الأرضية والجزء الملاصق لها من صخور المعطف العلوي تعوم على بقية صخور المعطف الزيتونية الأكثر سيولة, ومعنى ذلك أنها قابلة للحركة على ذلك الجزء.

وقد يعني ذلك أننا قد نستيقظ يوماً فنرى الاسكندرية تطل على أثينا أو أن نيويورك تجاور أمستردام، فهذا ما يخبرنا به الجيولوجيون، ففي باطن الأرض وخاصة بين النواة والقشرة خلال المعطفين العلوي والسفلي توجد قوى هائلة تسببها تيارات الحمل التي تسعى تارة إلى تشقيق القشرة الأرضية فتسبب البراكين وهوات المحطات، وتارة إلى تجميع الشرائح التكتونية وضمها إلى بعضها، ومن المعلوم أن تيارات الحمل هذه هي المسؤولة الأولى عن توصيل الحرارة للطبقة العليا من ماء الإناء الموضوع على الموقد.

ويخبرنا الجيولوجيون كذلك بأن شبه جزء الهند وإيطاليا وغيرهما كانت جزراً عائمة على الماء ثم بدأت بالاقتراب من القارات وحدث الاصطدام منذ حوالي 50 مليون عام، وتكونت على إثر ذلك جبال الهملايا والألب، ويخبروننا أيضاً أن سرعة تحرك شبه الجزيرة الهندية قلّت بعد التصادم من 20 سم في السنة إلى 5 سم أو أقل سنوياً.

أما قوله تعالى: } والجبال أرساها { [النازعات32]:

فالجبال هنا نفسها ترسو بنص الآية والفعل هنا استعارة وتشبيه لما نراه يحدث للقوارب والسفن عندما ترسو في المرسى، أي تتوقف حركتها فوق سطح الماء السائل تحتها، هذا ونعرف جميعاً الآن، والآن فقط بصورة علمية أن تلك الجبال إنما هي طيات والتواءات هائلة في سطح الصفائح القارية والتي هي نفسها طافية فوق جوف سائل منصهر هو جوف الأرض ذي المعادن الأكثر كثافة.

فأي إعجاز علمي نراه في هذا التشبيه للجبال الراسيات بالسفن الراسيات؟ وأي إعجاز علمي تورده تلك المقارنة!!

ليس هذا فحسب، فهناك حقيقة علمية عرفت مؤخراً جداً عن طريق علم الحفريات، وهو أن الكثير من سلاسل الجبال العظمى الموجودة على اليابسة في عصرنا الحالي إنما تكونت نتيجة حركات أرضية بطيئة جداً على نطاق واسع، والصخر الذي تتكوّن منه يتركب من رواسب تجمعت في العصور الجيولوجية القديمة في قاع البحر، وتدلّ على ذلك الحفريات المرجانية البحرية المعروفة التي وجدت في الأحجار الجيرية المكوّنة لقمم الجبال العالية، وكلنا نرى كيف يرسو القارب على القاع عند انحسار الماء أثناء الجزر البحري، فالجبال أيضاً رست بعد انحسار المسطحات المائية العملاقة التي كانت تغطيها وتغطي أجزاء واسعة من اليابسة المعروفة الآن، ولذا نجد مثلاً في قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية أن معظم سلاسل الجبال العظيمة تقع موازية ومحاذية للبحر الذي انحسر عنها بعد تكوينها.

ونعد لتأمل الآية لنرى كم من الحقائق العلمية توردها كلمتان فقط } والجبال أرساها {، وهذا هو إعجاز القرآن، فسبحان الله الذي أعطانا في قرآننا نظريات عدة كالعادة في كلمة واحدة } أرساها {.

 (الجديد في المنظور العلمي للقرآن المجيد – د. أسامة الشبراوي، ص131-132)

أما قوله تعالى: } وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا { فنجد أن الخالق عز وجل لقب الجبال بالرواسي.

ولتفسير السبب في ذلك دعنا نأخذ مثلاً سهلاً، إذا أردنا أن نمنع شيئاً خفيفاً من الحركة مثل جريدة أو كتاباً وضعنا عليه شيئاً ثقيلاً.

فالذي يحدث عند وضع الثقل على الجريدة أو الكتاب أن قوة الاحتكاك بين الجريدة أو الكتاب وسطح المنضدة تزداد بزيادة الثقل، فيصعب على الهواء تحريك الجريدة.

وهذا بالضبط ما يحدث عندما نضع ثقل الجبال فوق القشرة الأرضية، فزيادة الوزن فوق القشرة الأرضية نتيجة ثقل الجبال يقلّل أولاً من إمكانية تحركها لزيادة احتكاكها مع الطبقات السفلى، وإلى جانب ذلك يحدث شيء آخر رأيناه في النموذج الثاني لتكوين الجبال شيئاً لا يحدث في مثال الجريدة والكتاب وهو أن ثقل الجبال يسبب تقوساً وانحناء إلى أسفل في القشرة الأرضية والطبقة الملاصقة لها من صخور المعطف العلوي الصلبة.

وهذا الانحناء والتقوس يساعدان على زيادة الاحتكاك مع الطبقة السفلى الأكثر سيولة ومن ثم يقلّلان أيضاً من احتمال إمكانية حركة القشرة الأرضية وما عليها، وفي هذه الحالة لن نجد وصفاً بل تسمية للجبال أفضل وأدق من تسميتها بالرواسي.

وهكذا نجد أن النموذجين الأول والثاني لتكوين الجبال ونصبها يفتحان أمامنا معاني جديدة لفهم تشبيه الجبال تارة بالأوتاد وتارة أخرى بالرواسي.

فسلاسل جبال التبت مثلاً ذات الجذور العميقة التي تتبع النموذج الأول تفسّر لنا وتعطينا مثلاً لوصف الجبال بالأوتاد.

إنها أوتاد ضخمة تنغرس في القشرة الأرضية وتنفذ من خلالها لتصل إلى الجزء الأعلى من المعطف العلوي فتثبّت القشرة في مكانها وتقلّل من إمكانية حركتها.

أما بالنسبة لسلاسل الجبال الأخرى مثل الهيملايا والألب ذوات الارتفاع الشاهق والوزن الهائل نجد أن النموذج الثاني أكثر مناسبة وفاعلية لتثبيت قشرة الأرض وذلك بوضع رواسي فوقها، فتقوس القشرة الأرضية وتزداد قوى الاحتكاك مع الطبقات السفلى فتقل حركة القشرة الأرضية وما عليها من أناس وحيوان ونبات وحضارة.

أما قوله تعالى: } أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ { [الغاشية17-19]:

فإنه يوجه الخالق سبحانه وتعالى أنظار البشر إلى هذه الشوامخ المنصوبة، ويقول أولم ينظروا إلى هذه الجبال كيف نصبت كالأعلام يهتدي بها الساري، ويلجأ إليها الخائف، ويقصدها المتنزه والمصطاف.

وهي عند العربي بصفة خاصة – ملجأ وملاذ – وأنيس وصاحب، ومشهدها يوحي إلى النفس الإنسانية بصفة عامة بالجلال والاستهوال، حيث يتضاءل الإنسان إلى جواره ويستكين ويخشع للجلال السامي الرزين، والنفس في أحضان الجبل تتجه بطبيعتها إلى الله وتشعر أنها إليه أقرب.

( في ظلال القرآن سيد قطب ص3793)

وإن الله تعالى يدعونا إلى التفكر في كيفية تكوين الجبال، فقد أدى هذا التأمل إلى بلورة نظرية التوازن التضاغطي ( isostacy ) للقشرة الأرضية، أي تعرضها إلى ضغوط متساوية من جميع الاتجاهات،  وهذه النظرية هي التي تفسر لنا كيف تنصب الجبال على سطح الأرض.

أما قوله تعالى: } وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ { [النحل15].

} وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ { [الحجر 16].

} وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ { [لقمان 10].

فقد قال صاحب الظلال رحمه الله: إن الله قد جعل الجبال في الأرض كالأوتاد لإرسائها، كما يرسي البيت من الشعر بالعمد والأوتاد، وبذلك صارت ممهدة للخلائق، ذلولاً لهم تارة ثابتة… فقد قرّرها الله حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها.

وهذا الاستقرار وكون الجبال أوتاداً ظاهرة تراها العين ويدركها الإنسان بنظره المجرد فهي تشبه بأوتاد الخيمة التي تشدّ إليها، أما حقيقتها فنتلقّاها من القرآن الكريم، وندرك منه أنها تثبّت الأرض وتحفظ توازنها.

وقد يكون هذا لأنها تعادل بين نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال، وقد يكون لأنها تعادل بين التقلصات الجوفية للأرض والتقلصات السطحية، وقد يكون لأنها تثقّل الأرض في نقط معينة فلا تميد بفعل الزلازل والبراكين والاهتزازات الجوفية.

وقد يكون لسبب آخر.. لم يكشف عنه بعد.. وكم من قوانين وحقائق مجهولة أشار إليها القرآن الكريم قد عرف البشر طرفاً منها بعد مئات السنين.   وقال أيضاً: فأما الجبال الرواسي فالعلم الحديث يعلل وجودها بنظريات كثيرة أهمها أن جوف الأرض الملتهب يبرد فينكمش فتتقلص القشرة الأرضية من فوقه وتتجعّد فتكوّنالجبال والمرتفعات.

(في ظلال القرآن – سيد قطب – ص2163)

وفي الآيات الكريمة السابقة إشارة إلى أن الرواسي جاءت من عل.. وذلك لعلوها وإشرافها على الأرض.. وفي تعدّي الفعل (ألقى) بحرف الجرّ (على) إشارة إلى أن هذه الجبال لم تطرح على الأرض طرحاً، بل غرست فيها غرساً كما تغرس الأوتاد في الأرض.

أما قوله تعالى: } أن تميد بكم { فهي دلالة على أن وجودها على الأرض يعطي الأرض تماسكاً وصلابة فلا تضطرب ولا تهتز ولا تذوب في ماء البحر كما يذوب الملح في الماء.

وفي الآيات الثلاث السابقة تكرار لفظ يميد، وفي القاموس ماد، يميد، ميداً، ميداناً، أي تحرك وراغ، وهي إشارة واضحة إلى حركة الأرض فلأن الجسم الساكن بلا حراك لا يخشى من اضطرابه وميده وإنما الأرض المتحركة هي التي يمكن أن تميد وتضطرب أثناء دورانها.

ومن هنا أرسى الخالق العظيم هذه الجبال في أماكن مختلفة من الأرض بحيث تدخل جذورها في طبقة السيما فتتماثل في الكتلة بالنسبة لحركة الأرض اليومية لتحقق توازن الأرض، اتزاناً كاملاً أثناء دورانها حول محورها الذي يصنع 23.5 درجة مع مستوى فلك دورانها حول الشمس.

 (المنهج الإيماني للدراسات الكونية د. عبد العليم خضر، ص283)

ويقول الدكتور منصور محمد حسب النبي في كتابه (القرآن الكريم والعلم الحديث، ص61-62) في هذا الخصوص ما يلي:

هذا التعبير القرآني قد يشير إلى أن الأرض التي تمثل سجادة تحت أقدامنا مثبتة بواسطة الجبال، وبهذا فإن الأرض لا تميد ولا تهتز ولا تتزحلق لأن الطريقة التي تم تثبيت الجبال بها تضمن استقرار الأرض، وعلاوة على ذلك فإن اتزان الأرض أثناء دورانها حول نفسها دون أن تميد قد يشير علمياً إلى تماثل توزيع الجبال على جانبي محور الدوران.

وتوضح الآية السابق أيضاً أن الله سبحانه وتعالى قد أنشأ الجبال بإلقائها فوق سطح الأرض بدليل استخدام الفعل “ألقى” مما قد يشير إلى نوع شائع معين من الجبال يدعى الجبال الرسوبية التي تتكون عادة بإلقاء وتراكم الرواسب طبقة فوق طبقة كما يتضح من الترتيب الزمني في طبقات الصخور الرسوبية.

وعلاوة على ذلك فإن الفعل ألقى قد يشير إلى جبال أخرى ألقيت من السماء على هيئة نيازك ضخمة وهذه الفكرة قد تمت مناقشتها بواسطة الجيولوجي الفاريز عام 1979 في جامعة كاليفورنيا في بركلي، حيث أوضحت النتائج أن الطبقة الرقيقة المحتوية على صخور غنية بمعدن الإيريديوم الموجودة في قيعان المحيطات ربما ترجع إلى اصطدام نيزك ضخم بالأرض في الماضي السحيق لأن الايريديوم أكثر شيوعاً في النيازك منه في صخور الأرض.

وعلى أي حال فإن علماء الجيولوجيا يؤكدون الآن أن الأرض لا تعيش بمعزل عن الفضاء، وأن عالمنا هذا خاضع لمجموعة من المؤثرات الخارجية، وأن مثل هذه الكوارث الكونية التي حدثت في الماضي قد تصيب الأرض مرة أخرى في المستقبل.

ولقد عبّر القرآن الكريم أيضاً عن إنشاء الجبال باستخدام الفعل (جعل) بدلاً من الفعل (ألقى) كما في الآية التالية: } وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ { [الأنبياء31].

وهنا نلاحظ أن الفعل (جعل) يشمل جميع أنواع الجبال الرسوبية والنارية، كما أن الضمير المجرور (بهم) يشير إلى البشر بصفة عامة وإلى الكفار بصفة خاصة (من سياق الآية رقم 30 من نفس السورة) الذين لا يؤمنون بالله ولا يحاولون إدراك الرحمة الإلهية، ولهذا تجذب الآية انتباههم إلى الحقيقة الخافية على أذهانهم بأنهم يعيشون على سطح هذه الأرض بفضل التنظيم الإلهي ورحمة الله التي تحميهم من الكوارث الطبيعية مثل الزلازل، وإن الله يستطيع أن يدمّرهم بذنوبهم في لمح البصر من حيث لا يشعرون.

(القرآن الكريم والعلم الحديث – د. منصور حسب النبي، ص61-62)

وقد سئل البروفيسور الفريد كرونر وهو من أشهر علماء الجيولوجيا في العالم في إحدى المؤتمرات العالمية للإعجاز العلمي: هل اكتشفتم جذوراً للجبال؟ قال: نعم وجذره يبلغ 4.5 مرة قدر ارتفاعه. وبعض الجبال قد يكون جذره ممتداً إلى عمق 70 كم، وهذا الإكتشاف حديث.

ثم سئل ما وظيفتهما؟ فقال: لتثبيت القشرة الأرضية في الطبقة السفلى ولولا هذا لطفت القارات واصطدمت. فقال له السائل: إذاً إسمع ما قال به القرآن قبل أربعة عشر قرناً ((وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا)) [النبأٍ8]

} وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ { [لقمان 10]. [النحل 15ٍ]ٍ

 

الجبال وتوازن الأرض

قال تعالى: }وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ { [النحل15].

تؤكد هذه الآية إحدى وظائف الجبال وهي حفظ الأرض من الميل والاضطراب وتثبيتها كما تثبت بيوت الأعراب خيامهم بالأوتاد، والأوتاد لا تثبت الأرض، وإنما تثبت شيئاً فوق الأرض.. وهو الخيمة.. وفي نفس السورة قال تعالى: }وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا { [النحل80].

ولكي تتطابق وتتوافق الجبال والأوتاد في المنفعة فإنه لا بد من توفر الأمور الآتية:

وجود الخيمة بالنسبة للغلاف الجوي.. ووجه التوافقية بين وظيفة الخيمة للإنسان والغلاف الجوي أن الخيمة تحفظ الإنسان من وهج الشمس وما يمكن أن يسقط فوقه وهو داخلها…

وبالنسبة للغلاف الغازي الجوي فإننا نجد أن الشيء الذي يعمل عمل الأعمدة ليساعد الجبال أو تتم الجبال عمله فهو قوة جاذبية الأرض للغلاف الجوي..

ولو نقصت الأرض من أطرافها بعوامل الهدم وأزيلت الجبال لنقصت جاذبية الأرض… ولتسرّب الهواء الجوي من فوقها، أي تطير الخيمة بزوال الأعمدة أو الأوتاد.. فتضطرب الأرض اضطراباً شديداً.

ولقد تم بحث 246 جبلاً فوجدت أنها موزعة توزيعاً جغرافياً مذهلاً، فهي تقع على طول دائرتين في شكل سور له ثغرات يتضمن حوضاً هائلاً تعلوه الكتل الهوائية وتنخفض فيه وتعمل على انتظام الأرض.

والدائرتان الجبليتان إحداهما شمالية والأخرى جنوبية، وتتماس هاتان الدائرتان عند خط العرض المار بالبحر بالأبيض المتوسط الذي كان يشغله بحر تيثيس القديم ونشأت على ضفافه الشمالية والجنوبية الجبال الالتوائية التي شهدت ميلادها الحقبة الثلاثية… وهي الجبال الرسوبية التي ألقيت من عل… أي نقلت موادها بساطة عوامل التعرية من قمم الجبال النارية القديمة وأرسبتها على هوامش بحر تيثيس القديم طبقات فوق طبقات… وانضغطت بفعل الزحزحة الأفقية للكتل القارية الصلبة.. فالتوت وبرزت على هذه الصورة.

ومن الإعجاز القرآني في هذه النقطة أنه شبه الجبال بالأوتاد… وهي فعلاً كذلك… فمن حيث البروز عن سطح الأرض والرسوخ فيه فهما متشابهان… والأوتاد تختلف فيما بينها من حيث مدى البروز، ودرجة الميل والجبال كذلك… والأوتاد يختلف رسوخها باختلاف درجة صلابتها وشكلها ومدى تمكّن جذورها في الأرض وطبيعة تلك الأرض والجبال كذلك… وهذا ما كان معروفاً من قبل.

ولكن المذهل الذي لم يكن معروفاً وأخبر به القرآن الكريم – من جوانب طرفي المعادلة – أن الأوتاد يجب أن يكون قد تم خرطها وتشكيلها قبل أن تثبت من الأرض… والجبال رأينا أنها تشكّلت أولاً بفعل عوامل التعرية… ثم أظهرتها قوى التضاغط الجانبي للقارات القديمة… والأوتاد لا تنغرس وحدها في الأرض وإنما لا بد من قوة تعمل على تثبيتها في الأرض.

فما هي هذه القوة التي عملت – بأمر الله – على تثبيت الجبال في الأرض… إنها قوى التثاقل بالضغط الرأسي.. تلك القوى الهائلة لها نظائر – بصورة مصغرة – عند دقّ الأوتاد.. فالدقّ من أعلى لأسفل يناظر فعل التثاقل عند هبوط قشرة الأرض… والضغوط الجانبية على التربة من حول الوتد عند دقّه، تناظر تلك القوى الجانبية التي عملت على ضغط المادة الرسوبية على طول خطوط الضعف القشري فنشأت الجبال الالتوائية في شكل طيات والتواءات… كما أن تناقض الجبال بفعل عوامل التعرية يشبه إلى حد كبير تناقص الأوتاد بنفس العوامل مع طول الزمن.. فسبحان الله العظيم.. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 (الظواهر الجغرافية بين العلم والقرآن د. عبد العليم خضر، ص36-37)

ومن القرآن الكريم والتفاسير السابقة نخرج بالمفاهيم الآتية:

أن وظيفة الجبال في تثبيت الأرض تشبه وظيفة الأوتاد في تثبيت الخيمة. وأن هناك نوعاً من الجبال لم يخرج من باطن وإنما ألقي من فوق سطحها.

ويرسو نوع من الجبال عند شواطئ البحار القديمة كما ترسو السفن على الرصيف.

فإذا ذهبنا إلى التطبيق الجغرافي لما جاء في هذه المفاهيم نجد إعجازاً لا يملك المرء إلا الركوع خشية لله وإيماناً به وإدراكاً لقدرته وتصديقاً لرسوله وقرآنه الكريم.

فقد أكد القرآن الكريم ما كشف عنه العلم مؤخراً عنه بألف وأربعمائة عام عن امتدادات جذور الجبال تحت قارات القشرة الأرضية.. فمثلاً وجد بالبحث العلمي أن سمك القشرة الأرضية تحت القارات 5 كم، أما سمكها تحت الجبال فيقدر بحوالي 35 كم وتتخذ شكل الأوتاد ووظيفة الأوتاد، فالجبال مسّاكات للقارات في الصخور السائلة التي توجد تحت القشرة الصلبة الأرضية، ولولا جذور هذه الجبال لطفت القشرة وسبحت فوق صخور الباطن اللينة ( SIMA ) ولانعدم توازنها وثباتها فوقها.

ولولا انغماس الجبال في مواد السيما لتحركت الجبال والقارات من أماكنها نظراً لضآلة كثافتها.. ولو طفت القارات وسبحت.. لاضطربت الأرض تحت أقدامنا ولاهتزت بنا ومادت.

هذا ومن الجدير بالذكر أن هذه الحقائق عن طبيعة الجبال ووظيفتها قد تم معرفتها عام 1956 فقط أي بعد إشارة القرآن الكريم إليها بحوالي 1376 عاماً.

 

 

حركة الجبال

قال تعالى: }وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ { [النمل88].

يقرّر القرآن حقيقة هامة تخصّ الجبال وتجذب انتباهنا بكل تأكيد كما تشير إلى ذلك الآية السابقة.

وهذه الآية تبيّن لنا بأنه على الرغم من الثبوت الظاهري للجبال التي تبدو كما لو كانت ساكنة لا تتحرك أو باقية لا تزول فإنما هي في الواقع تمرّ مرّ السحاب!، وهذه الحقيقة من روائع خلق الله الذي يستطيع وضع وتنظيم كل شيء في المكان والزمان المناسب بتقدير متقن محكم في هذا العالم المادي الملموس الذي يحيط بنا.

فعند رصد حركة الجبال، سنرى أن الجبال تمرّ من أمامنا كمرور السحاب، وسنرى أيضاً أن سرعة مرور الجبال تتوقّف على موقعها من خط الاستواء، فأسرع الجبال مروراً من أمامنا هي الجبال الواقعة على خط الاستواء فقد تصل سرعة مرورها إلى 1600 كم/ساعة، وتقلّ سرعة مرورها كلما بعد موقع الجبال عن خط الاستواء واقترب من أحد القطبين.

ومعنى ذلك أننا سنرى جبال الهملايا تمرّ من أمامنا أسرع من جبال الألب، فالأخيرة تقع في نصف الكرة الشمالي بينما تقع الأولى قريباً من خط الاستواء.

هذا هو التفسير الذي يقدمه لنا العلم للآية الكريمة: }وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ { [النمل88].إنه إتقان الخالق لخلقه وعلمه الشامل بخواص كل ما خلق ووصفه الدقيق المبدع لمخلوقاته.

وهذه التعبيرات لا تصدر إلا عن خالق هذا الكون الذي لا تخفى عنه خافية يرى كل ما خلقه من كل مكان ومن كل زاوية ويعلم كل خباياه وأسراره.

(آيات قرآنية من مشكاة العلم – د. يحيى سعيد الحجيري، ص181)

وطبقاً لمعطيات العلم الحديث يمكن فهم حركة الجبال الموصوفة في هذه الآية الكريمة على أنها إشارة للعوامل الثلاث التالية:

  1. تعرية الأرض:

يقول الشاعر الفريد تينيسون 1809-1892 ميلادية:

هناك تتدفق أمواج البحر في نفس المكان الذي كانت به الغابات، أيتها الأرض كم من تغيرات مرّت بك؟ فلقد امتدت الشوارع المزدحمة مكان البحيرة الهادئة! والجبال تذوب كالضباب، لأنها كالظلال تمر من شكل لآخر ولا شيء يبقى، والأرض الصلبة تشبه السحاب لأنها تشكّل نفسها ثم تتحرك وتختفي عن الأنظار.

وتبين هذه الأبيات بوضوح تأثر هذا الشاعر بعلماء عصره الذين أنشأوا علم الجيولوجيا الحديث مثل جيمس هاتون في القرن السابع عشر، وخليفته شارلز لايل في القرن الثامن عشر، فلقد أعلن هؤلاء المبدأ الجيولوجي الهام المعروف بالتغيّر المستمر والتدريجي لسطح الأرض عبر الأحقاب الجيولوجية الطويلة ( Uniformitarianism) حيث أعلن هاتون أن الآثار المرئية لعوامل التعرية كالأنهار والأمواج والتدفقات البركانية والعمليات الطبيعية الأخرى هي التي تغيّر من تضاريس الأرض عبر الزمن.

وبناء على التقسيم العلمي فإن زوال جبال وظهور جبال أخرى، أو الانتقاص من جبال وازدياد أخرى، عمليات تتم مع الزمن، وكأن الجبال تنتقل من مكان إلى آخر، وكأن الجبال تذوب بفعل عوامل التعرية.

وقد أثار هاتون دون قصد جدالاً مع رجال الكنيسة في ذلك الوقت لأن نظريته الجيولوجية التي أكدت بأن الجبال زائلة أعطت انطباعاً بخطأ الإنجيل، لأن هذا التفكير العلمي الجديد يختلف عن صورة الجبال الباقية والتلال الخالدة الواردة في الطقوس والتعاليم الدينية للكنيسة، كما أن هاتون اعترض على تقدير كاتب الإنجيل الذي أعطى تواريخ تشير إلى نشأة الأرض عام 4000 قبل الميلاد بينما عمر الأرض في الحقيقة أقدم من ذلك بكثير.

وهذا التناقض بين (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم) هو موضوع رئيس في كتاب الدكتور موريس بوكاي (1987).

ولقد برهنت الأبحاث العلمية الحديثة صحة توقعات هاتون، فالصخور ما هي إلا مستندات ووثائق لعلم الجيولوجيا الجديد حيث تعتمد الحقائق والمبادئ والتعليلات المستنتجة في هذا العلم على الملاحظة الدقيقة للصخور لأنها فقط هي التي تحتفظ بآثار القوى والعمليات التي شكّلت قشرة الأرض. ولقد تبيّن علمياً أن الصخور ليست دائمة بل تتحول مع مرور الزمن من نوع لآخر.

ويمكننا فهم حركة الجبال بنوع آخر من الحركة عن طريق تعريتها وتغيير صخورها؛ ذلك أن الصخور تدور مع الزمن تتحول فيها من نوع إلى آخر.

فهناك مثلاً الصخور النارية التي تكونت في درجات حرارة عالية جداً. وهناك أيضاً الصخور الرسوبية التي تكونت بترسيب وتراكم مواد جمعتها عوامل التعرية, أو التجوية Weathering))، أو أنتجتها كائنات حية، ثم تماسكت هذه المواد مع بعضها البعض بتأثير الضغط والحرارة.

وهناك كذلك ما يعرف باسم (الصخور المتحولة) التي تكونت من صخور رسوبية أو نارية تعرضت لدرجات شديدة من العوامل كالحرارة أو الضغط.

ويحدث مثلاً أن تتحول الصخور النارية إلى صخور رسوبية بفعل عوامل التعرية، وتتحوّل الصخور الرسوبية إلى صخور متحوّلة، حيث تندثر تحت سطح الأرض أثناء تكون الجبال، وقد تتحول الصخور الرسوبية إلى صخور نارية حين ترتفع درجة حرارتها إلى درجة الانصهار.

وهكذا يرى العلماء التغير المستمر الذي يحدث لصخور الجبال، والأرض عموماً، إما على نحو تدريجي بطيء، أو بصورة مفاجئة كما هو الحال في الكوارث الطبيعية كالخسف المفاجئ مثلاً.

(رحيق العلم والإيمان – أحمد فؤاد باشا، ص100)

ولقد كشف علم الجيولوجيا حديثاً عن الحقيقة العلمية التي تؤكّد التغيّر المستمر لما يبدو لنا ثابتاً وخالداً كالصخور والجبال، و هذا التغيّر قد يحدث تدريجياً عبر ملايين السنين وقد يحدث فجائياً كما هو الحال في حوادث الكوارث الطبيعية مثل زلزال الأسكا عام 1964م الذي هزّ جبلاً عالياً هزّاً عنيفاً لدرجة أن جزءاً كبيراً من قمة هذا الجبل تحطم، وتحرك الحطام بالسقوط والتدحرج نحو الوادي.

وتثير الزلازل الصخور المحطمة بانهيار الأرض كما حدث في مونتانا عام 1959م، حيث انزلقت خلال دقائق كمية هائلة من حطام الصخور تقدر بحوالي 35 مليون ياردة مكعبة من منحدر منبع نهر ماديسون، وردمت بذلك مساحة ضخمة من مجرى للنهر بارتفاع يصل من 100 إلى 200 قدم وتكوّنت عند منبع النهر بحيرة بطول قدره 6 أميال وعمق 175 قدماً في المكان الذي انحدر منه الحطام.

وهنا يجب علينا أن نتذكّر حقيقتين أساسيتين:

  1. قد تكون الزلازل عقاباً إلهياً، وقد روى لنا التاريخ الديني مثل هذا العقاب فهل يتذكر البشر هذه الحقيقة في كل جيل؟ ويحذّرنا الله بقوله تعالى في القرآن الكريم: }أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا { [محمد10].
  2. أن الجبال ليست دائمة أو خالدة لأن الصخور تتحطم وتتآكل بمرور الزمن نتيجة عوامل التعرية، ويتحرك حطام الصخور من جبال مرتفعة إلى وديان منخفضة بمساعدة المياه الجارية والرياح الشديدة، وقد يكون الانتشار على هيئة رواسب في البحر مصيراً نهائياً لهذه الصخور المتهشمة لتتكون بذلك فيما بعد جبال رسوبية أو تضاريس مختلفة بالتأثير المشترك للطقس وعوامل التعرية.

وهذا التغيير ينقل حطام الصخور لصالح البشر حيث تتكون التربة الصالحة للزراعة بسبب وجود الرواسب المعدنية في الطمي وحطام الصخور الذي ينتقل بصفة مستمرة ليغطي التربة.

إن كل ظواهر التعرية تتم بتقدير إلهي ينظّم كل شيء في ترتيب متقن محكم، وبذلك فإننا نستطيع على ضوء التغييرات البطيئة والمفاجئة للجبال فهم معنى الآية الكريمة:

}وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ { [النمل88].

وحقاً إن الجبال ليست ساكنة أو دائمة ولكنها تمرّ مرّ السحاب، فالجبال تتشكّل وتزول تدريجياً عبر ملايين السنين، أو تزول بصورة مفاجئة كما في حالة الكوارث الطبيعية، وبهذا يوضح القرآن لنا في أسلوب رائع حقائق علمية في عالمنا الفيزيائي.

  1. حركة الأرض:

هناك تفسير منطقي آخر للآية السابقة [النمل88] يشير إلى أن حركة الجبال دليل على حركة الأرض، فالآية تنص على أن الجبال ليست ساكنة ولكنها تمرّ مرّ السحاب، وحيث أن السحاب عبارة عن كتل ضخمة من بخار الماء ونوى التكاثف العالقة به، محمول بواسطة هواء ديناميكي متحرك وهو الرياح، أي أن السحاب لا يتحرك حركة ذاتية، بل يتحرك حركة مكتسبة من الرياح، فإن الجبال لا بد وأن تكون محمولة على كوكب متحرك طبقاً للتشبيه البليغ في الآية الكريمة السابقة، وهي محمولة على الأرض وتتحرك بحركتها، تماماً مثلما أن السحاب يتحرك محمولاً على متن الرياح.

وبهذا فإن القرآن الكريم يجذب انتباهنا إلى تحرّك الأرض كحقيقة لم يتم التعرف عليها إلا في العصر الحديث، ولم يلاحظ المفسرون القدماء هذا المعنى العلمي للآية، وليس هذا عجيباً، فلقد ساد الاعتقاد بعدم تحرك الأرض لأن الإحساس العام والخبرة الشخصية والملاحظات الظاهرية للقبة السماوية تعطي انطباعاً خاطئاً بأن الأرض ساكنة في مركز هذا الكون, وأن الشمس والقمر والكواكب المرئية أجرام صغيرة ظاهراً تبدو وكأنها تدور حول الأرض، وأن النجوم ما هي إلا نقط مضيئة في قبة كروية سماوية تدور أيضاً حول الأرض!

وظلّ هذا الفكر الخاطئ المعتمد على مركزية الأرض سائداً منذ بطليموس في القرن الثاني الميلادي حتى جاء كوبرنيكس في القرن السادس عشر وأعلن نظريته الجديدة المعتمدة على مركزية الشمس والتي تمثل حقيقة المجموعة الشمسية التي نقبلها اليوم، وهذه الحقيقة أثبتت أن الأرض وباقي كواكب المجموعة تدور في مداراتها حول الشمس، وبذلك انتصر العلم على الإحساس القديم، ولكنه اصطدم مع رجال الكنيسة الكاثوليكية، فلقد حوكم جاليليو أمام الكنيسة بتهمة الكفر لأنه أيّد نظرية كوبرنيكس وأعلن أن الأرض ليست ثابتة وليست مركز الكون.

وبصرف النظر عن رأي الكنيسة واضطهادها للعلماء فإن موضوع تحركات الأرض تمتّ معالجته لأول مرة من خلال التصور العلمي الدقيق المعلن في القرن السادس عشر، أي بعد نزول القرآن الكريم بحوالي ألف سنة!  فكيف لا ننبهر ونعبر عن الدهشة عندما نلاحظ بأن القرآن لم يدافع عن النظرية الخاطئة لبطليموس (والتي كانت سائدة في ذلك الوقت) بل على العكس أشار بصراحة إلى حركة الأرض.

ومع تطور العلم أمكن حديثاً إثبات دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، فالأرض تدور حول محورها المار بقطبيها الشمالي والجنوبي ومدة الدورة الواحدة هي الآن حوالي 24 ساعة، وبهذا فإن أي نقطة على سطح الأرض عند خط الاستواء تدور بسرعة 1600كم/ساعة، كما أن الأرض تدور في مدارها حول الشمس وعلى مسافة قدرها 149 مليون كيلو متر من الشمس مرة كل 4/1 365 يوم، وبهذا يمكن حساب سرعة جريان الأرض في هذا المدار حول الشمس بمقدار 106000 ك/ساعة أي 66000 ميل/ساعة.

وقد أشرنا إلى ذلك بشيء من التفصيل عند دراسة دوران الأرض وكرويتها سابقاً.

وحقاً إن كل شيء على سطح الأرض يتحرك معها، فالهواء والماء والمباني والبشر والجبال…. كلها تجري بجريان الأرض !  ورغم أن السرعة تفوق كما ذكرنا 1600كم/ساعة عند خط الاستواء نتيجة الدوران المغزلي للأرض، وتصل إلى 106000 كم/ساعة نتيجة الدوران حول الشمس، فإننا لا نشعر مطلقاً بهذه الحركة ولا نستطيع الكشف عنها مباشرة.

يقول الله سبحانه وتعالى: }وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ { [النمل88].

وحقاً أن الأرض تتحرك، ولقد اكتشف العلم أيضاً حركات أخرى للأرض فهناك حركة تبادر محور الأرض بمعدل مرة كل 26000 سنة، وكذلك حركة الأرض وهي تابعة للشمس أثناء جريانها حول مركز مجرة سكة التبانة في فلك دائري مرة كل 250 مليون سنة، وهذه الحركة تعطي للشمس سرعة قدرها 497000 ميلاً/ساعة.

ولقد أشار القرآن الكريم لحركة الشمس في فلكها هذا بقوله تعالى: }وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ { [الأنبياء33].

ولكننا هنا نريد التأكيد على أنه طبقاً لحركة الشمس، فإن كواكبها بما فيها الأرض تتحرك معها، وبهذا فإن أي شيء على سطح الأرض يتحرك في الواقع أربع حركات مركبة هامة في الفضاء رغم السكون الظاهري ونستطيع الآن إدراك قوله تعالى في وصف الجبال بأنها تمر مر السحاب رغم أنها تبدو ساكنة جامدة.

  1. تحركات القشرة الأرضية (إزاحة القارات):

يكن فهم حركة الجبال بحركة القشرة الأرضية التي تسفر عن انزياح القارات، حيث تنص نظرية الألواح الأرضية على أن الغلاف الصخري للأرض تنتشر به شبكة هائلة من الصدوع التي تقسمه إلى عدد من الألواح أو الصفائح الطافية فوق طبقة ساخنة لدنة تسمى الوشاح ( Mantle ) وتساعد على انزلاق الألواح وتحركها، والجبال بطبيعة الحال تتحرك مع هذه الألواح حركة بطيئة لا يستطيع الناس إدراكها فيظنون أنها جامدة أو ساكنة أو ثابتة، ولكن العلم أثبت أنها تتحرك على مرّ ملايين السنين، وقدّر معدل هذه الحركة البطيئة المستمر بنحو 1-12 سم كل عام في ظاهرة تدعى (انزياح القارات).

وهكذا أيضاً تتحرك الجبال مع الألواح الأرضية بمرور السنين فتنتقل من مكان لآخر حركة بطيئة وئيدة، وكأنها مرور سحاب كما عبرت الآية القرآنية الكريمة في سورة النمل.

فيكون ثبات الجبال وجمودها من الأمور غير الحقيقية، أي مما يقع في دائرة الظن، ولذلك جاءت اللفظة القرآنية (تحسبها) في التعبير القرآن المعجز لتلائم المستوى العلمي للمسلمين وقت نزول القرآن، فالكل يرى الجبال ثابتة مستقرة، ولا يرى لها حركة مطلقاً، فلم يثبت لأحدهم أن علم بحركة جبل من مكان إلى مكان آخر، ثم هي تتيح الفرصة لفهم أعمق يتسع لمعنى حركة الجبال بالفعل كما أكدّها العلم الحديث.

ومن لطائف التعبير القرآن أيضاً أنه قال ((وترى الجبال)) ولم يقل (وترى الأرض) لأن الأرض لا يراها الإنسان وهي تمر إلا إذا خرج منها ونظر إليها من الفضاء الخارجي، وقد تحقق له ذلك بعد اختراع سفن الفضاء حديثاً.

وبينما جاءت (وترى الجبال) لأن الجبال مما يقع في مجال رؤية الإنسان، كما لزم أن ترد الكلمة القرآن (تحسبها) أي (تظنها) لأن الجبال ثابتة في الظاهر أمام العيان، بل وراسية كما جاء في آية أخرى [النازعات32]، ولكن العلم الحديث كشف كما ذكرنا عن معنى عظيم لم يعرفه الناس إلا بعد مشوار طويل من البحث والدراسة عبر مئات السنين، فسبحان الخالق العظيم.

(رحيق العلم والإيمان – أحمد فؤاد باشا – ص101)

أما عن حركة الجبال،  فهي دائمة الحركة وليست ثابتة في مكانها وواقفة كما يراها الناس. فهي تتحرك حركة جانبية بالطي والثني: فنرى هناك جبال مطوية ومنثنية (regions Folded mountain) حيث تتعرض له الصخور المكونّة للجبال ويشوّه تورقها ( Foliatio )، وهناك حركة رأسية للجبال بالتصدع وبالدفع من أسفل إلى أعلى بواسطة مختلف قوى الأرض الداخلية، حيث تظهر الكسور والتشقّقات الرأسية والمائلة في الصخور الصلبة المكونة لجبال البحر الأحمر.

وإلى هذه الحركة أشار المولى تبارك وتعالى في الوحي المنزل على خاتم الرسل حيث قال تعالى: }وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ{ [النمل88] فهي تتحرك جانبباً ورأسيا.

ً وهذا هو صنع الله البديع الذي أحكم كل شيء خلقه وأودع فيه من الحكمة ما أودع. والآية تشير أيضاً إلى دوران الأرض حول محور الشمس لأن الجبال جزء من الأرض.                    (بحث د. حسني حمدان الدسوقي حمامة – المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المطهرة).

 

الطور الأيمن

لعل ما استرعى انتباهي في آيات الجبال وجعلني أجزم بأن جمع مجمل ما سبق أن فصلناه في حركة الجبال ما جاء به كتاب الله في شأن جبل الطور بالبقعة التي كلّم الله تعالى منها نبيه موسى عليه السلام بسيناء، فذكر لنا سبحانه، لما قص علينا النبأ، جانب الطور الأيمن وشاطئ الوادي الأيمن والجانب الغربي، حتى يدلّنا من خلال تحديد المواقع على أسرار ما تخفيه المواضيع.

فقال عز وجل في سورة مريم: }وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا { [مريم52].

وقال في سورة طه: }يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى { [طه80].

وقال في سورة القصص: } فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ { [القصص 30].

}وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ { [القصص44].

وفي مجمل التفاسير، نجد أن جانب الطور الأيمن قدر من موسى عليه السلام، ونجد في تفسير قوله تعالى: } نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ { أن ابن كثير رحمه الله شرح ذلك بجانب الوادي مما يلي الجبل عن يمين موسى، وكذلك القرطبي الذي أضاف قائلاً: (وقيل عن يمين الجبل)، وهذا يفيد كما جاء في التفاسير، أن الجانب الأيمن للجبل أو للوادي هو من موسى عليه السلام لمّا أتى البقعة المباركة التي كلّمه الله تعالى منها، ووقف التفسير عند هذا الحد بما أدركته اجتهادات المفسرين وفقاً للمستوى المعرفي الذي يصيغ التفسير عند كل عصر في قالب محدود بمستوى ما أدركه المفسر من علوم زمانه.

إلا أن المعطيات العلمية الحالية، وخاصة الجغرافية والجيولوجية، نظراً لتقدّم البحث وتطور العلوم، بينت أن الأودية سواء كانت أنهاراً جارية أو ودياناً جافة، فهي تعمل في اتجاه واحد محكم بجريان الماء من المنبع إلى المصب، ولا يحدث العكس لأن الوضع الطوبوغرافي هو الذي يتحكم في جريان المياه بموجب عامل الانحدار الذي يحدّد اتجاه جريان المياه من المرتفعات إلى المنخفضات، وعليه فإن المياه في الأودية تساق في اتجاه واحد محكم بمنبع في الخلف ومصب في الأمام، وبما أن تراكم الرواسب المحمولة مع المياه الجارية تحدّد بعد توضّعها مع الزمان أسفل الوادي من أعلاه، فإن الأودية تكون موجهة بأمامها وخلفها ثم أسفلها وأعلاها، مما يحدد لها ضفة يمنى عن يمينها وضفة يسرى عن شمالها.

وكذلك شأن الجبال، فهي بدورها كما رأينا غير ثابتة على سطح الأرض بل تتحرّك بتحرّك صفائح القشرة الأرضية التي تحملها، فقد بيّنت المعطيات السابقة أن سطح الأرض مكوّن من قطع متجاورات تشكّل ألواحاً تتحرّك باستمرار فوق صهارة باطن الأرض اللزجة، إلا أن حركة هذه القطع لا نلمسها نظراً لشدة بطئها إذ لا تتعدى في أقصى الحالات بضع سنتمترات في السنة، ويمكن تشبيه الواحد من هذه الألواح ببساط صخري ينشأ عند حزام الصدع، في مناطق الاتساع حيث تتنافر قطع السطح وتطفو الصهارة فتلقى على جنبات الصفائح ثم تبرد تدريجياً وتقسو لتكوّن تراكمات بركانية تمدّ الصفيحة أفقياً في اتجاهات محدّدة بحركة الصفيحة، فإذا وصل مدّ الصفيحة بعد ملايين السنين إلى نقطة النهاية في الجانب المعاكس حيث التصادم مع صفيحة أخرى، غاصت أطرافها تدريجياً تحت هذه الخيرة subduction، وتناقصت بانصهارها من جديد في باطن الأرض، وبذلك تكون الجبال تمرّ في اتجاه واحد محدّد بحركة الصفيحة التي تحملها كما هو مقرر في قوله عز وجل: }وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ{ [النمل90].

وهذا التشبيه الذي جاءت به الآية الكريمة بين مرور الجبال ومرور السحاب ينطوي على مدلول علمي دقيق يفيد أن مرور الجبال يسري وفق اتجاه محكم ببداية ونهاية، فنحن نعرف أن السحاب ينشأ في أماكن تبخر المياه في البحار والمحيطات ثم يساق بالرياح في اتجاهات معينة إلى أن ينتهي بنزوله مطراً، يقول سبحانه وتعالى: }وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { [الأعراف57]، وبذلك فالسحاب يساق كما تساق مياه الأنهار من منابعها مروراً بالأراضي التي ترويها إلى أن تنتهي في مصباتها، كما نتبيّن ذلك من قوله سبحانه وتعالى: }أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ { [السجدة27]، وبما أن النص القرآني يقرّ بأن حركة الجبال هي شبيهة بحركة السحاب، وبكون السحاب يُساق في اتجاه واحد كما تُساق مياه الأنهار من المنبع إلى المصب، فإن المنطق يفرض أن تكون لكل من هذه الظواهر وجهة واحدة تسير إليها انطلاقاً من نقطة البداية التي تتركها خلفها إلى نقطة النهاية التي تظل أمامها.

ولما كانت الجبال تسير بدورها وفق هذا التوجه راسية فوق سطح الأرض بقاعدة موتّدة في القطعة التي تُقلّها وقمة شامخة في السماء، فإن وضعها يقضي بوجوب تحديد جانب أيمن وهو ما على يمين الجبل وجانب أيسر وهو ما على شماله، تماماً كما للوادي ضفة يمنى وضفة يسرى، وكما للبشر يمين ويسار، وهذا لا يتعارض مع استنباطات مفسرينا الأجلاء، بل يتمّم جانباً مما لم يصل إليه زمانهم من اكتشافات علمية، فابن كثير رحمه الله قال في تفسير قوله تعالى: } نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ { أي جانب الوادي مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب، ثم استكمل رحمه الله قائلاً (فهذا مما يرشد إلى أن موسى قصد النار إلى جهة القبلة والجبل الغربي عن يمينه والنار وجدها تضطرم في شجرة خضراء في لحف الجبل مما يلي الوادي)، وهذا التفسير لا نجد فيه ما يتعارض مع التقويم العلمي المبني على المعطيات الحديثة، فإذا كان موسى قد أقبل من مدين قاصداً مصر، فهو يكون يتجه من طريق الحجاز الموجود إلى الشرق من سيناء نحو مصر الموجودة إلى الغرب منها، وبما أنه قصد النار في اتجاه الجبل متقبلاً الكعبة الموجهة إلى الجنوب فهو يكون مشرفاً على جبل طور والوادي المقدس من جهته اليمنى، وبما أن الوادي موجود بين مرتفعات صحراء سيناء الموجودة إلى الجنوب والمنخفضات المطلة على البحر الأبيض المتوسط، فمصبّه إلى البحر في اتجاه الشمال، وهذا يجعل ضفته اليمنى التي كانت أيضاً عن يمين موسى هي المطلة على جهة الشرق، وأما الجبل، فهو محمول فوق الصفيحة الإفريقية التي تتجه، كما هو مقرر في الخريطة البنيوية لقطع سطح الأرض، نحو الجنوب على طول حزام الصدع الفاصل بينهما وبين صفيحة الجزيرة العربية التي تتحّرك نحو الشمال، وبما أن حركة الصفيحة التي تُقلّ جبل الطور، وإن لم تكن ملموسة، تتجه نحو الجنوب، فإن الجانب الغربي للجبل المنصوص عليه في الآية [القصص44] يكون هو جانبه الأيمن، وتكون الشجرة التي رآها موسى تضطرم ناراً واقعة في سفح هذا الجانب المواجه للشاطئ الأيمن للوادي.

وبذلك يتضح لنا، والله سبحانه أعلم، أن مفهوم جانب الطور الأيمن وشاطئ الوادي الأيمن المنصوص عليهما في القرآن الكريم، يعنيان الجانب الأيمن للجبل والضفة اليمنى للوادي، فبدقة التعبير وصف لنا الحق سبحانه الناحية التي كلّم منها خليله موسى عليه السلام وصفاً يتناسب مع تطور الفهم وتقدّم المعرفة، بحيث وإن لم نقصد في استنتاجنا هذا إعادة تقويم الهيئة التي كانت عليها مكوّنات المنطقة من موضع موسى، إلا أن وقوفنا على الجانب الإعجازي لآيات الجبال جعلنا ندرك من سياق الآيات الكريمة هذا الوصف الذي يعطي دليلاً ملموساً على حقيقة تحرك الجبال وفق اتجاهات قطع السطح التي تُقلها، تلك الحقيقة التي لم يتنبه افنسان إليها إلا بعد اكتشاف نظرية الألواح البنيوية plate tectonice من قبل العالم الألماني Alfred WEGNER سنة 1910، والتي اكتسبت مصداقيتها بعد سنة 1960، حيث مكنّت كبريات الرحلات الاستكشافية لأعماق البحار من توضيح المفاهيم حول كيفية تحرك قطع السطح، فوضعت بذلك الخريطة البنيوية لسطح الأرض، وعيّنت عليها الاتجاهات التي تتحرك فيها كل قطعة من قطعه.

فجاء ذلك شاهداً على دقة التفصيل العلمي الذي وصف به كتاب الله جبل الطور ببركة بقعته التي ارتوى شجرها من قدسية واديها الذي جرت مياهه إلى الشمال حاملة محاليل تعرية جبال الجنوب، فتركزت في رمال الصحراء الجافة ثروات معدنية أعطت وما تزال من النبات والعشب ما إن بركته لتشفي من علل كثيرة وأسقام بإذن الله تعالى.

(بحث عبد الإله أحمد بن مصباح – المؤتمر الثامن للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة – ص37-39)

 

الرواسي الشامخات

قال تعالى : }وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا{ [المرسلات27]

تذكّرنا هذه الآية الكريمة ببعض النعم التي أظهرها الله تعالى على وجه الأرض متمثلة فيما خلقه من جبال رواسي شامخات وما أجراه من أنهار، وما فجّره من عيون جعلها مصدراً لسُقيانا بالماء العذب.

وأول ما يلفت الانتباه في هذا التعبير القرآني المعجز هو ذكر الجبال بالوصف لا باللفظ، فأشار إلى أنهن رواسي وأنهن شامخات، على التنكير لا على التعريف، تنبيهاً إلى نوع خاص من الجبال، فلئن كانت كلها رواسي من حيث الثبوت والرسوخ في الأرض، فليست كلها شوامخ بالغة الارتفاع، فكلمة شامخات في اللغة العربية تدلّ على امتياز في الارتفاع، ودراسة الجبال عن طريق صفاتها مبحث هام من مباحث علم جديد قائم بذاته يسمى (أوروجرافيا) ( أو أورولوجيا) ( Orography )، وهو (علم وصف الجبال).

وقد جاء ذكر الماء الفرات في الآية القرآنية الكريمة تالياً للتذكير بنعمة الجبال الرواسي الشامخات ليدلّ على أن بين النعمتين صلة لعلها تتمثّل فيما أثبته العلم الحديث من أثر لشموخ الجبال على نزول الماء العذب الذي يسقاه الناس وما لها من صنوف الزروع والحيوان.فإذا كان علماء الفيزياء والأرصاد والجغرافيا قد فطنوا إلى دورة الماء العذب بين البحار الملحة والمحيطات وبين اليابسة، وذلك بسقوط المطر من السحاب المتكثف في أعالي الجو، فإن هذه الآية الكريمة تشير إلى حقيقة علمية أخرى هي سقوط الماء العذب المنحدر من شوامخ الجبال التي يكلّل الثلج هاماتها بصورة دائمة؛ ذلك أن هذه الجبال تكون درجة الحرارة في قممها دائماً تحت الصفر إذا زاد ارتفاعها عن حد خاص يتوقف على موقعها من خط الاستواء.ففي جبال النرويج مثلاً تظهر ظاهرة الثلوج الدائمة على ارتفاع نحو 1.2 كم، بينما تظهر على ارتفاع نحو 2.7 كم على جبال الألب، ونحو 5.5 كم على جبال الكليمانجارو بأواسط أفريقيا([1]) ويكون لتراكم الثلوج الدائم فوق مثل هذه الجبال المرتفعة الفضل في تغذية الأنهار بالماء، نتيجة لذوبان بعض الثلوج باستمرار بسبب الضغط الزائد لطبقات الثلج العليا على السفلى.ولا تنفد هذه الثلوج على قمم الجبال باستمرار ذوبان أطرافها الدنيا لأنها كما تسيل باستمرار فإنها تجدد أيضاً باستمرار تكثّف بخار الماء الموجود دائماً على الجو المحيط بهذه القمم.

ولولا هذه الظاهرة الكونية المعجزة لجفّت الأنهار إذا انقضت فصول الأمطار عند منابعها، ولنضبت بذلك مصادر الماء العذب الضرورة لحياة الأحياء.كذلك فإن تنكير الماء في الآية القرآنية الكريمة يفيد العموم بحيث يشمل الماء الناتج عن الأمطار من السحب والماء المنحدر من الثلج الذائب فوق شوامخ الجبال ([2]) .

ألوان الجبال.. آية إلهية كبرى

قال تعالى: }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ { [فاطر27-28].

وتفسر الآية على أن الله خلق الجبال مختلفة الألوان كما هو الشاهد أيضاً من بيض وحمر، وفي بعضها طرائق وهي الجدد جمع جُده مختلفة الألوان، ولكي نفهم العطاء العلمي لتلك الآية لا بد من أن نعرف أن مادة الصهير التي هي مادة حجارة الأرض تتكوّن في غرف في باطن الأرض تسمى غرف الصهارة ( Magma Chamber ) توجد على أعماق من باطن الأرض، وأثناء صعود الصهارة تخترق الصخور وتتداخل على أعماق بعيدة أو قريبة من سطح الأرض، وتأخذ تلك المتداخلات النارية أشكالاً عدة، منها ما يأخذ شكل طرائق على هيئة ألواح تتوازى أو تتقاطع مع الطبقات التي تخترقها، وفي حالة توازيها تسمى السدود ( Sills ) وفي حالة عدم توازيها تسمى القواطع (Dikes)، وليس هناك أدق من التعبير القرآني (جُدد) لوصف هذه المتداخلات النارية، والجُدد لا توجد في كل جبال العالم، بل توجد في بعضها، وبهذا تتضح دقة نظم القرآن في قوله تعالى: ((ومن الجبال)) حيث من تفيد التبعيض.

ولم يكن الناس عند نزول القرآن ولا بعد نزوله بأكثر من ألف عام تدارسوا جميع جبال العالم حتى يتأكدوا أنه ليس كل جبال تقطعها جدد.

أما قوله تعالى: (( وغرابيب سود)) فتشير إلى ظاهرة شديدة السواد، فالعرب يصفون شديد السواد بأنه غربيب، ولهذا قال بعض المفسرين في هذه الآية من المقدم والمؤخر بمعنى أن ((وغرابيب سود)) هي ((سود غرابيب)) وفيها نظر، وإذا قلت سود غرابيب تجعل السود بدلاً من غرابيب لأن توكيد الألوان لا يتقدم.

ومن ثم فنحن أمام ظاهرة في الجبال اسمها غرابيب ولونها أسود، والغامق في الصخور النارية هي الصخور فوق القاعدية أو المافية ( Mafec ) مثل الجابرو والبازلت، فإن عادت غرابيب سود على جدد ( فهذا يعني جدد من صخور غامقة اللون من الجابرو أو البازلت أو غيرهما من الصخور القاعدية وفوق القاعدية، وإذا عطفناها على (ومن الجبال) أصبحنا أمام ظاهرة اسمها (غرابيب) ولونها أسود.

وقد تكون صورة من صور المتداخلات النارية التي يعرفها الجيولوجيون مثل اللاكوليت أو اللابوليث، أو قد تكون طفوحاً من البازلت، أو قد تكون شيئاً آخر سيصل العلم إلى تعريفه في المستقبل والله أعلم.

(بحث د. حسني حمدان الدسوقي حمامة – المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المطهرة).

وتشير الآية الكريمة الأولى إلى اختلاف الألوان وتدرّجها في الطبيعة مما يعطي البهجة والتنوع والملاءمة الوظيفية، مثل تنوّع ألوان الثمار المختلفة في هذه الآية، وتنوّع ألوان البشر والدواب والأنعام في الآية التالية.

ويختار المولى عزّ وجلّ هنا الثلاثة ألوان الشائعة في الجبال ودرجاتها وهي الألوان: الأبيض والأحمر بدرجاته المختلفة والأسود، وبالإضافة لذكر الألوان الشائعة للجبال وهو حصر معجز بحد ذاته فإن ذكر الثلاثة ألوان لصخور الجبال فيه إشارة إلى أنواع صخور الأرض الثلاثة المعروفة: (الرسوبية والنارية والمتحولة).

أما أشهر الصخور الرسوبية المكونة للجبال فهي الصخور الطباشيرية والجيرية المكونة أساساً من كربونات الكالسيوم الذي تستخرجه الحيوانات من ماء البحر لتكوين أصدافها وهياكلها، وعند موتها تتراكم آلاف الأطنان منها سنوياً بالتدريج،  وعندما ترفعها حركات الأرض تكوّن نوعاً من الصخر يسمى الحجر الجيري، وهذا النوع يغلب عليه اللون الأبيض.

أما اللون الأسود فهو شائع في الصخور النارية ومثالها البازلت والجرانيت وأيضاً خام الحديد المعروف بالماجنيت، وهي صخور بركانية نشأت عن تفجير البراكين وانسياب الصخر المصهور “الماجما” منها، إذن فالجبال السود هي الجبال البركانية ذات الصخور النارية، وهذا هو النوع الثاني من الصخور حسب التصنيف الجيولوجي.

أما اللون الأحمر للصخور فهو مثال للصخور المتحولة والتي قد تنشأ في بعض الأمثلة عن وجود خام الحديد (الهيماتيت) مثلاً، وفي هذه الحالة يتكوّن الخام بواسطة إحلال الحجر الجيري (الرسوبي) صاعدة ساخنة حاملة للمعدن الأحمر اللون من خلالها، كما قد يوجد على هيئة مسطحات بين طبقات الصخور المتراصة البيضاء التي تحتويها مما يعطي تدرجاً لونياً لها بين الأحمر والأبيض، ومن هنا وصفها المولى عز وجل بـ (مختلف ألوانها) فلفظ (مختلف ألوانها) يصف شكل الصخر المحتوي على هذا الخام الحديدي الأحمر الموجود على هيئة بلورات أو ألواح أو قشور أو مسطحات بين طبقات الصخر الرسوبي الأبيض حيث تتداخل وتتدرج ألوانه مع اللون الأبيض، كما تشير لفظة (مختلف) هنا إلى تغير تكوينها عن تكوين الأحجار الرسوبية الطباشيرية الأصلية والمحيطة بها (فهي صخور اختلفت عن تكوينها الأول وهي ما نسميها الآن بالمتحولة أي المختلفة)، وهذا هو النوع الثالث من الصخور أي (الصخور المتحولة) حسب التصنيف الجيولوجي. وسبحان الخالق العظيم الذي أنزل لنا منذ أربعة عشر قرناً ما نعرفه الآن ونصنفه كأنواع للصخور الثلاث المكونة للقشرة الأرضية وأعطانا مثالاً لكل منها.

أما كلمة (جدد) وهي لغوياً تشير للجدة والتجدّد أكثر من إشارتها للتقطع كما تفسر لغوياً أحياناً، فهي ببلاغة قوية تصف أولاً ديناميكية حركة الصفائع القشرية حيث ترتفع وتتكوّن جبال جديدة أو تتغيّر ارتفاعات الجبال الموجودة على سطح الأرض باستمرارية، وإن كان ببطء شديد يحتاج رصده لآلاف السنين، أي لن نراه ونحسّه في متوسط أعمارنا القصير وقطعاً لم يرصده محمد صلى الله عليه وسلم في فترة حياته، فسبحان المولى العظيم.

أما إذا كانت الجدة والتجدد تقتضي لنا أن نراها، فهي موجودة ونراها، ولكن قطعاً أيضاً لم يتيسر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يراها، فالجبال البيض الجدد تظهر يومياً. وما رأيكم في جبال الجليد البيضاء الناصعة التي تتكوّن باستمرار وتتجدّد وتنفصل عن قواعدها لتبحر في مياه المحيطات القطبية مغيّرة من مواقعها الجغرافية باستمرار وتجدّد، ومهدّدة لحركة الملاحة البحرية لوجودها دائماً في أماكن جديدة غير مألوفة وهي جبال عظيمة بكل معنى الكلمة؟

وما رأيكم في الجبال البيضاء والحمراء المتدرجة اللون (مختلف ألوانها) من الجزر والحواجز العظيمة المرجانية التي يبلغ ارتفاعها من قاع البحر ارتفاع السلاسل الجبلية الهائلة ولا تزال تتجدّد ويمكن رصد بعضها، ولنعد لجغرافية الحواجز المرجانية العظمى كالموجودة قرب استراليا مثلاً.

أما الجبال السوداء الجدد والمتجددة فهي أيسرها في الرصد إذا أقمنا بجوار أحد البراكين النشطة لنرى كيف تتدافع الحمم (اللافا) البركانية يومياً لصنع الجبال السوداء من جرانيت وبازلت وغيرهما.

وإضافة إلى ما تم ذكره سابقاً، فلعل هناك ما يشير في الآية الكريمة السابقة إلى كل من الجبال الحامضية وفوق الحامضية في تركيبها الكيميائي والمعدني، والتي تتكوّن أساساً من الصخور الجرانيتية وشبه الجرانيتية ويطغى عليها اللونان الأبيض والأحمر بدرجات متفاوتة، ولذلك قال ربنا (عز من قائل): (( مختلف ألوانها))، والجبال القاعدية وفوق القاعدية التي تتكوّن أساساً من صخور خضراء اللون داكنة الخضرة إلى سوداء اللون من مثل جبال أواسط المحيطات، (وفي اللغة العربية يوصف الأخضر بالسواد، والأسود بالخضرة) ولكل نوع من هذين النوعين من الجدد نشأته الخاصة وتركيبه الكيميائي والمعدني الخاص بصخوره.

ويضيف د. عبد الهادي ناصر في كتابه (نظرات في الكون والقرآن، ص395-396) حول تفسير الآية السابقة:

(… فمما لا شك فيه أن اختلاف الألوان والألسنة بين الناس دليل قدرة، وكذلك فإن اختلاف الألوان بين الزروع والثمرات والدواب والأنعام وكذلك الجبال، سنّة كونية. ومن هذه السنة اختلاف ألوان عسل النحل، وهنا لو كان اختلاف الألوان قائماً مشتركاً لشاركت الجبال فيه الناس والثمرات والدواب والأنعام والزرع والعسل، وتأمل قول الله تعالى: }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ { [فاطر27-28].

وقوله تعالى: }وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ { [النحل13].

وقوله تعالى: }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ { [الزمر21].

ويقول يوسف الحاج أحمد في كتابه (موسوعة الإعجاز العلمي ص245-247) إلى العلاقة بين الماء ولون الصخور ما يأتي:

ورد اختلاف الألوان في ثلاث فقرات في هذه الآية فألوان الصخور هي نتاج ألوان المعادن المكوِّنة لها، وأن ألوان المعادن نتاج تركيبها العنصري، وبيئتها، وتفاعلها مع الماء، فالماء هو العامل الحاسم في تلوين صخور الجبال، لذلك قال تعالى: }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا {

وقد يعجب الإنسان من علاقة إنزال الماء من السماء باختلاف ألوان الجبال، وهذا العنصر الحيوي، والذي يعدُّ من أعلى العناصر المذيبة والفعّالة، تَبَيَّنَ أنه هو العامل الحاسم في تلوين الجبال، التي تأخذ ألوانها من ألوان معادنها التي تشترك في بنيتها، والمعادن تتلوَّن بقدر أكسدتها، حيث إن الماء له علاقة بهذه الأكسدة، لذلك تجد أن أحد عوامل تلوينها، واختلاف ألوانها، من جبال كالغرابيب السود، وجبال جدَد بيض، وحُمْر مختلف ألوانها يعود إلى الماء.

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: [ يقول تعالى منبّهاً على كمال قدرته في خَلْق الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد، وهو الماء الذي ينزله من السماء، يُخرج به ثمراتٍ مختلف ألوانها، من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض، ذلك من ألوان الثمار كما هو مشاهدٌ من تنوُّع ألوانها، وطعومها، وروائحها، كما قال تعالى في الآية الأخرى: }وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ { [الرعد4].

أما قوله تبارك تعالى: }وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا { أي وخلق الجبالَ كذلك مختلفةَ الألوان كما هو المشاهد أيضاً، من بيض وحمر، وفي بعضها طرائق، وهي الجدد، جمع جُدَّة مختلفة الألوان أيضاً، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الجدد: الطرائق.. والغرابيب: الجبال الطوال السود .. والعرب إذا وصفوا الأسود قالوا: أسود غربيب.. وقوله تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ { أي كذلك الحيوانات من الناس والدواب، وهو كل ما دبَّ على القوائم، والأنعام من باب عطف الخاص على العام، كذلك هي مختلفة أيضاً، فالناس منهم البربر، والحبوش، وطماطم، وصقالبة، وروم في غاية البياض، والعرب بين ذلك، والهنود دون ذلك، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى: }وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ { [الروم22].

وكذلك الدواب والأنعام مختلفة الألوان، حتى في الجنس الواحد، بل النوع الواحد منهنّ مختلف الألوان، بل الحيوان الواحد يكون فيه من هذا اللون، وهذا اللون، فتبارك الله أحسن الخالقين.. ولهذا قال تعالى بعد هذا: }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ { أي إنما يخشاهُ حقَّ خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلّما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحُسنى، كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم وأكثر]. (انتهى الاقتباس).

ويضيف د. فوث في كتابه أساسيات علم الأرض إلىما سبق ما يلي:

ولا شك أن المناخ والهواء ومكوّنات التربة تدخل كعوامل مؤثرة في لون الأرض… فالأرض في المنطقة المعتدلة فاتحة اللون فتكون ذات لون رمادي ناتج عن مساحيق المعادن التي خضعت لقليل من التغير الكيماوي، وتفسير وجود الألوان البنّية والحمراء والصفراء في الأرض يدلّ على وجود مكونات الحديد مضافاً إليها المادة العضوية، واللون الأحمر في المنطقة الاستوائية يرجع إلى وفرة أكسيد الحديد في الأرض.

أما وفرة اللون الداكن لأراضي المنطقة فيرجع إلى وجود المادة العضوية شديدة التحلّل مما يؤدي إلى أن تكسب المادة العضوية اللون الرمادي أو الرمادي الداكن، هذا ما لم تقم بعض مكونات التربة مثل أكسيد الحديد أو تراكم الأملاح بتعديل اللون، وإن وجود أكسيد الحديد (هيماتيت) في التربة في المنطقة الاستوائية يجعل لون الأرض مائلاً إلى الحمرة، حال وجود المادة العضوية بكثرة.

وعادة يكون هناك تراكم كبير للمادة العضوية في الطبقات الطمية للأراضي سيئة الصرف مما يُكسبها اللون الداكن جداً، في حين تكون طبقة الأرض الأعمق رمادية اللون وفاتحة، إشارة إلى سوء الصرف، وحال ما يكون الصرف في هذه الحالة متوسطاً تتناثر في التربة بقع اللون الأصفر.

وعندما يسمح الصرف بالتهوية، وتكون ظروف الرطوبة والحرارة مناسبة للنشاط الكيماوي فإن الحديد يعطي للأرض مركبات حمراء أو صفراء.

وقد روى العالم الهندي – المغفور له بإذن الله – الدكتور عناية المشرقي، وهو يقول: كان ذلك في يوم أحد من أيام سنة 1909م، وكانت السماء تمطر بغزارة، وخرجت من بيتي لقضاء حاجة ما، فإذا بي أرى الفلكي المشهور السير جيمس جينز – الأستاذ بجمعة كمبردج – ذاهباً إلى الكنيسة، والإنجيل والشمسية تحت إبطه، فدنوت منه وسلّمت عليه، فلم يردّ عليّ، فسلمت عليه مرة أخرى، فسألني (ماذا تريد مني؟) فقلت له: (يا سيدي! الأمر الأول: أن شمسيتك تحت إبطك رغم شدة المطر!) فابتسم السير جيمس وفتح شمسيته على الفور، فقلت له: (وأما الأمر الآخر فهو: ما الذي يدفع رجلاً ذائع الصيت في العالم – مثلك – أن يتوجه إلى الكنيسة؟) وأمام هذا السؤال توقف السير جيمس لحظة ثم قال: (عليك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي)، وعندما وصلت إلى داره في المساء، خرجت (ليدي جيمس) في تمام الساعة الرابعة بالضبط، وأخبرتني أن السير جيمس ينتظرني.

وعندما دخلت عليه في غرفته، وجدت أمامنه منضدة صغيرة موضوعة عليها أدوات الشاي، وكان البروفسور منهمكاً في أفكاره، وعندما شعر بوجودي سألني: (ماذا كان سؤالك؟) ودون أن ينتظر ردّي، بدأ يلقي محاضرة عن تكوين الأجرام السماوية، ونظامها المدهش، وأبعادها وفواصلها اللامتناهية، وطرقها ومداراتها وجاذبيتها، وطوفان أنوارها المذهلة، حتى إنني شعرت بقلبي يهتز بهيبة الله وجلاله.

وأما السير جيمس فوجدت شعر رأسه قائماً، والدموع تنهمر من عينيه، ويداه ترتعدان من خشية الله، وتوقف فجأة، ثم بدأ يقول: ( يا عبد الله! عندما ألقي نظرة على روائع خلق الله يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي، وعندما أركع أمام الله وأقول له: (إنك لعظيم) أجد أن كل جزء من كياني يؤيّدني في هذا الدعاء، وأشعر بسكون وسعادة عظيمين وأحسّ بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألف مرة، أفهمت، يا عناية الله خان، لماذ أذهب إلى الكنيسة؟).

ويضيف العلامة عناية الله قائلاً: لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفاناً في عقلي، وقلت له: (يا سيدي لقد تأثرت جداً بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي ، وتذكّرت بهذه المناسبة آية من آي كتابي المقدس، فلو سمحتم لي لقرأتها عليكم)، فهزّ رأسه قائلاً: (بكل سرور) فقرأت عليه الآية الآتية: }وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ {، فصرخ السير جيمس قائلاً: ماذا قلت؟ إنما يخشى الله من عباده العلماء؟! مدهش! وغريب.. وعجيب جداً!!.. إن الأمر الذي كشفت عنه دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة، من أنبأ محمداً به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لوكان الأمر كذلك، فاكتب شهادة مني أن القرآن كتاب موحى من عند الله… ويستطرد السير جيمس جينز قائلاً: لقد كان محمد أمياً، ولا يمكنه أن يكشف عن هذا السر بنفسه، ولكن (الله) هو الذي أخبره بهذا السر.. مدهش..! وغريب، وعجيب جداً!.(انتهى الاقتباس)

ويشير الدكتور المهندس خالد فائق العبيدي في كتابه ( المنظار الهندسي في القرآن الكريم، ص415-417) إلى الجبال وما فيها من أحجار كريمة وخيرات كثيرة وإلى مجموعات المعادن والفخاريات في القرآن الكريم، إضافة إلى وقفة تأمل في الآيتين السابقتين (فاطر:27-28).

وإضافة لما ذكرناه سابقاً، فإننا لو تأملنا هذه الآية المباركة فإن التعبير القرآني لهذه الجبال وألوانها وأنواعها وهي كلها مواد فخارية سيراميكية لأنها تحتوي الرمال والصخور والأطيان، إلا أن هذه الألوان (جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) تعني المعادن والفخاريات ووجودها ضمن صخور ودقائق ترب الجبال و اختلاف الألوان يعني اختلاف أنواع المعادن وتراكيزها وتراكيبها ضمن صخور الجبال.

مجموع الفخاريات في القرآن الكريم

الكلمـــة التكرار الكلمـــة التكرار
طين 12 حجر وحجارة 13
سجيل 3 ملح 2
صلصال 4 ياقوت 1
فخار 1 مرجان 2
حمأ وحمئة 4 لؤلؤ 6
تراب 17 صخر 4
زجاجة 2
قوارير 3
المجمــــــــــوع 74

(المنظار الهندسي للقرآن الكريم/ د. خالد فائق العبيدي، ص415-417، ص427)

وكذلك يقول سيد قطب رحمه الله في تفسير هاتين الآيتين المباركتين: (27-28) من سورة فاطر، ما نصه: إنها لفتة كونية عجيبة من اللفتات الدالّة على مصدر هذا الكتاب، لفتة تطوف في الأرض كلها تتبع فيها الألوان والأصباغ في كل عوالمها في الثمرات والجبال وفي الناس وفي الدواب والأنعام، لفتة تجمع في كلمات قلائل بين الأحياء وغير الأحياء في هذه الأرض جميعاً، وتدع القلب مأخوذاً بذلك المعرض الإلهي الجميل الرائع الكبير الذي يشمل الأرض جميعاً.

إنها تبدأ بإنزال الماء من السماء وإخراج الثمرات المختلفات الألوان، ولأن المعرض معرض أصباغ وشيات فإنه لا يذكر هنا من الثمرات إلا ألوانها } فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا {وألوان الثمار معرض بديع للألوان، يعجز عن إبداع جانب منه جميع الرسامين في جميع الأجيال، فما من نوع من الثمار يماثل لونه لون نوع آخر، بل ما من ثمرة يماثل لونها لون أخواتها من النوع الواحد، فعند التدقيق في أي ثمرتين أختين سيبدو شيء من اختلاف اللون!!

والانتقال من ألوان الثمار إلى أ لوان الجبال نقلة عجيبة في ظاهرها، ولكنها من ناحية دراسة الألوان تبدو طبيعية، ففي ألوان الصخور شبه عجيب بألوان الثمار وتنوعها وتعددها بل إنها فيها أحياناً ما يكون على شكل بعض الثمار وحجمها، وكذلك حتى ما تكاد تفرق بين الثمار صغيرها وكبيرها..! والجدد هي الطرائق والشعاب.

وهنا لفتة في النص صادقة، فالجدد البيض مختلف ألوانها فيما بينها والجدد الحمر مختلف ألوانها فيما بينها، مختلف في درجة اللون والتظليل والألوان الأخرى المتداخلة فيه، وهناك جدد غرابيب سود، حالكة شديدة السواد، واللفتة إلى ألوان الصخور وتعدّدها وتنوّعها داخل اللون الواحد، بعد ذكرها إلى جانب ألوان الثمار، تهزّ القلب هزاً وتوقظ فيه حاسة الذوق الجمالي العالي.

ويستمر – رحمه الله – في وصف هذه الصورة الرائعة بقوله: ثم ألوان الناس وهي لا تقف عند الألوان المتميزة العامة لأجناس البشر فكل فرد بعد ذلك متميّز اللون بين بني جنسه، بل متميّز من توأمه الذي شاركه حملاً واحداً في بطن و احد! وكذلك ألوان الدواب والأنعام، والدواب أشمل والأنعام أخص، فالدابة كل حيوان والأنعام هي الإبل والبقر والغنم والماعز، خصّصها من الدواب لقربها من الإنسان، والألوان و الأصباغ فيها معرض كذلك جميل كمعرض الثمار ومعرض الصخور سواء.

وكذلك فإننا لو دققنا الفحص في هذه الآيات المباركات لوجدنا أنها إشارة لكل أنواع المواد: معادنها، فخارياتها، لدائنها وحتى سبائكها وخلائطها، وفيها ما فيها من حثّ الإنسان على استكشاف تلك الأمور ومناغاة روح الفضول والتحدّي لديه لطرق باب البحث العلمي والاستكشافي لهذه الأنواع المختلفة شأنه شأن المنافع الكثيرة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى للأنعام.

صخور قشرة الأرض وأحجارها

تتألف قشرة الأرض The crust of the earth وما يعرف باسم الغلاف الصخري من صخور (أحجار) متنوعة فيما بينها شكلاً وصلابة ولوناً وتركيباً معدنياً.

والصخر أو الحجر في العهد القديم (التوراة) كان يرمز إلى القوة الحامية، في حين أن الحديث عنه في القرآن الكريم كثيراً ما يقترن بالقسوة والعذاب، وأحياناً بالانتفاع به، وتفجّر المياه منه، وقد اعتقد الإنسان القديم وشعوب ما قبل الإسلام أن الأرواح والآلهة تسكن أعالي الجبال وهاماتها الصخرية الصلدة، واعتبرت الصخور والأحجار من المقدسات، وكان عرب الجاهلية يعبدون حجرين هما (إساف) و (نائلة)، واعتبروهما رمزاً لرجل وامرأة فسقا في الحرم الشريف فمسخا إلى حجرين، كما كانت قريش تعبد حجراً (اللات) قبل الإسلام وتقدّم لها القرابين.

وجاء الحجر في القرآن الكريم أحياناً تعبيراً عن القسوة، وشبّه القرآن به قلوب اليهود القاسية، وذلك في قول المولى تبارك وتعالى: } ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ {

كما تدلّ الآيات القرآنية على أن الحجر سيكون من بين وقود جهنم مما ينفي تقديس الحجر وذلك في قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ { [التحريم6].

وفسّر البيضاوي الحجارة على أنها الأصنام الحجرية التي نحتها المشركون بأنفسهم وعبدوها طمعاً في شفاعتها مستنداً في ذلك على قوله تبارك وتعالى: }إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ { [الأنبياء98].

(من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم / أ.د. حسن أبو العينين، ص419-420)

 

الغلاف الصخري: Geochemistry Of Lithosphere

يشكّل الغلاف الصخري المستودع الرئيسي والهام للعناصر الكيميائية المعروفة، وقد اعتمدت دراسة التركيب الكيميائي للأرض على التحليل المعملي لعينات أخذت من السطح الحالي للأرض أو من عمق أقل من 8 كيلومترات.

وقد أظهرت هذه الدراسة أن توزيع العناصر ونظائرها في الغلاف الصخري غير منتظم، كما أن صخور الكمبرليت التي تخترق القشرة الأرضية أحضرت معها مواد من أعماق تناهز بضع كيلومترات، وقد أمدتنا بالكثير من المعلومات عن طبيعة الجزء العلوي من وشاح الأرض.

ولما كان معدل نصف قطر الأرض يصل إلى 6371 كيلومتراً ولذا فإن عينات الصخور التي تم تحليلها لدراسة التركيب الكيميائي للأرض لا تمثّل سوى قشوراً من الأجزاء الخارجية من الأرض، ولا يمكن أن يعتمد عليها في معرفة التركيب الكيمياوي للأرض كلها وحساب معدل هذا التركيب، على الطرق غير المباشرة كالدراسات الجيوفيزيائية، واستنباطات من تركيب النيازك.

وحيث أن كتلة الأرض وحجمها معروفان لدينا فإنه يمكن حساب معدل كثافتها، وقد أظهرت الدراسات القائمة على الطرق الزلزلية أن كثافة الأرض تزداد بزيادة العمق.

ومن هذه البيانات، وبالإضافة إلى المعلومات التي توافرت عن المجال المغناطيسي للأرض، والخصائص الميكانيكية والحرارية لصخورها تمكّن المختصون في دراسة التركيب الكيميائي للأرض من عمل النموذج المقبول الحالي لهذا التركيب، وبخاصة تركيب الأجزاء التي لا يمكن مشاهدتها مباشرة من الأرض.

ومن المعروف أن حوالي 10 عناصر فقط تشكل أكثر من 98% من كتلة الغلاف الصخري، في حين أن مجموع بقية العناصر (حوالي 96 عنصراً) تشكل نسبة قليلة جداً تقارب 1% من كتلة الأرض.

وقد تطوّرت أساليب وطرائق تحليل الصخور وتقدير نسب العناصر وتوزيعها، وكان هذا التطوّر من الدقّة، بحيث يمكن دراسة توزيع العناصر النادرة والموجودة في الصخور بكميات تقل عن الجزء من المليون.

 (الموسوعة الجيولوجية ج2، ص187 – 188)

 

أنــواع الصخـــور

قال تعالى: } يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ { [لقمان16]

تعني كلمة (صخر) في اللغة الحجر العظيم الصلب، ويعرف جيولوجياً بأنه مادة أرضية تتكون من تجمع معدني طبيعي ملتحم ومتماسك ومتحجر، وبعض الصخور يتكون من معدل واحد “الكوارتزيت الذي يتكون من معدن الكوارتز، والحجر الجيري الذي يتكون من معدن (الكالسيت)، والبعض الآخر يتكون من معدنين أو أكثر (كالجرانيت الذي يتكون من الكوارتز والفلسبار والبيوتيت).

ومن بين الأنواع الرئيسية للصخور تشكل الصخور النارية حوالي 95% بالحجم من الستة عشر كيلو متر العليا من الأرض، في حين لا يزيد حجم الصخور الرسوبية عن 5% ولو أنها تفترش ما يزيد عن 66% من مساحة سطح القارات وتكاد تغطي معظم أرضية البحار والمحيطات.

وفيما يلي استعراض لأهم أنواع الصخور:

  1. الصخور النارية ( Igneous Rocks ):

وقد تصلبت أو تبلورت من الصهير ( magma ) المادة الأم للصخور النارية التي تتكون من مصهور سيليكاتي تبادلي مع قليل من الماء والمواد الطيارة. وتصل درجات حرارة اللافا المنصهرة والمنبثقة من باطن الأرض إلى حوالي 1200 درجة مئوية.

وتقسم الصخور النارية إلى أنواع تبلورت قبل أن تصل الصهارة إلى سطح الأرض، وتعرف بالصخور المتداخلة ( Intrusive ) وأخرى منبثقة ( Extrusive ) تصلّبت على سطح الأرض، إما في صورة لابة أو حمم طباقية (طفوح) أو كركام من فتات ناري نتج عن ثورات بركانية انفجارية.

وتوجد كذلك تقسيمات عديدة للصخور النارية تعتمد على ألوانها وأنسجتها وأحجامها بلوراتها ومعادنها المكونة وتركيبها الكيميائي.

وتشتمل مجموعة العناصر الرئيسية المكونة للصخور النارية, ويمثّل الجدول الآتي متوسط النسبة المئوية للعناصر المكونة لصخور القشرة الأرضية وأكاسيدها:

الأكسجين (46.71%)، السيليكون (27.69%)، الألمنيوم (8.07%)، الحديد (5.05%)، والمغنيسيوم (2.08%)، الكالسيوم (3.65%)،  الصوديوم (2.7%), البوتاسيوم (2.85%)، التيتانيوم (0.62%)، الهيدروجين (0.14%).

ومن بين هذه العناصر الثمانية يكوّن الأكسجين أكثر من 90% بالحجم من مكونات الصخور النارية وبالتالي القشرة الأرضية التي تشكّل الصخور النارية أكثر من 95% من حجمها.

وعلى ذلك يمكن اعتبار كل من الصخور النارية والقشرة الأرضية عبارة عن ذرات أكسجين مرتبطة ببعضها بواسطة ذرات سيليكون مع بقية الفلزات الشائعة.

ولا تمثل نسب تركيب متوسط الصخور النارية بالمرة تركيب أحد الصخور النارية الشائعة، ولكنها تكاد تكون متوسطة بين تركيب صخور الجرانيت والبازلت، وهما أكثر الصخور النارية شيوعاً في القشرة الأرضية، إضافة إلىصخورالسيانيت والدولووايت.

  1. الصخور الرسوبية : Sedimentary Rocks

وتعني كل ما يرسب ويستقر، وتمثل موادها الخام كل نواتج التجوية الميكانيكية والكيماوية. ومن تفتت هذه الصخور بعد تعرضها لعوامل التعرية وتبعاً للترسبات المختلفة فوق قاع البحار والمحيطات والبحيرات تتكون الصخور الرسوبية ومن بينها الصخور الجيرية والرملية والطينية والغرينية، وإذا تعرضت الصخور الرسوبية لفعل الضغط الشديد والحرارة الشديدة أو لكليهما معاً فإن هذه الصخور سرعان ما تتحول إلى حالة أخرى تختلف بخواصها وميزاتها عن صورتها الأصلية وتعرف باسم الصخور المتحولة  Metamorphic Rocks ، ومن أمثلة هذه المجموعة صخور الشيست  Schist  المتحولة من الصخور الطينية، والنيس Gneiss المتحول من الجرانيت، و الرخام المتحول من الصخور الجيرية

وتشكّل الثلاثة أنواع الرئيسية التالية حوالي 95% من الصخور الرسوبية:  الصخور الطينية (69.5 %), والصخور الرملية (20-25 %), وصخور الكربونات (10-15%)، أما بقية الأنواع فتمثل أقل من 5 %.

(الموسوعة الجيولوجية، ج3، ص 217 – 218)

ويعدّ الغلاف الصخري الأرضي في الحقيقة جزءاً من الأرض نفسها إلا أنه الجزء الخارجي الذي يمثل سطح القشرة أو الطبقات العليا التي تتركب منها الأرض.

وقد ساعدت عمليات دوران الأرض حول محورها من جهة والبرودة التدريجية التي تعرضت لها من جهة أخرى على تنسيق وترتيب مواد الأرض تبعاً لاختلاف كثافتها وتكوين الغلاف الصخري الخارجي أو القشرة الأرضية الخارجية التي تتألف من صخور بردت تماماً وتختلف عن المصهورات الممثلة في باطن الأرض.

(الجيولوجيا الهندسية ، د. محمود توفيق سالم،  ص 10 – 12).

ومن ذلك يتبين أن الحديد والألمنيوم والنيكل يشكّلان لب الأرض، وإذا لاحظنا الأوزان النوعية وسمك الطبقات نلاحظ أن اللب يشكل أكثف وأثقل وأسمك جزء في طبقات الأرض على الإطلاق.

وصدق الله العظيم إذ قال منبئاً عن يوم القيامة: }وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا{ [الزلزلة2]، أي أن أثقال الأرض المخبأة في جوفها ستخرج يوم القيامة.

وهنا تجدر ملاحظة مهمة وهي أن لو قدّر أن يكون سمك الأرض أكبر بعدة أقدام لامتص ثاني أكسيد الكربون ولما أمكن وجود الحياة، وهذه أول إشارة في التاريخ البشري إلى أن جوف الأرض يحوي العناصر الأثقل وزناً.

(الله جل جلاله – سعيد حوى ص39)

ولقد أثبتت صور الأقمار الصناعية وأقمار التحسس النائي أو ما تسمى بأقمار الاستشعار عن بعد صحة ما ذهب إليه تقسيم العلماء السابق الذكر، فهناك أقمار صناعية متعددة الأغراض منها لدراسة الأرض، ومنها لدراسة ما تحته أو لدراسة البحار والمحيطات وسبر أغوارها أو لدراسة طبقات الجو، كما أن هناك الأقمار التي تدرس وتصور قشرة الأرض وما يغطيها من ماء وثلوج وغابات ومنها سلسلة لاند سات الأمريكية ( LANDSAT 4.5 ) التي تدور حول الأرض بارتفاع 705 كم لتقوم بعملية مسح لسطح الأرض على شكل حزمة عرضها 185 كم، ثم يعيد القمر مداراته على 16 يوم ليصوّر نفس المنطقة بعد 16 يوماً.

(المنظار الهندسي للقرآن الكريم – د. خالد فائق العبيدي ، ص439-441)

 

العمليات الشاملة للغلاف الصخري

من الواضح أن الأرض ليست في حالة مستقرة، بل هي في حالة تغيّر مستمر، فحدوث الزلازل واندفاع البراكين وبناء الجبال وهبوط قيعان البحار، جميعها تظهر حالة عدم الاتزان في العمق، وتدل على تغيّرات هائلة فيزيائية وكيماوية تحدث تحت سطح الأرض.

كما تدل عمليات التعرية والتجوية الكيميائية على عدم اتزان واضح بين الغلاف الصخري والغلاف الجوي، إذ أن هناك تغيرات كيماوية تأخذ مجراها عند مستويات مختلفة في الغلاف الصخري، إذ تحدث هذه التغيرات عند حدوده مع كل من الغلاف الجوي والغلاف الحيوي والغلاف المائي، والعمليات التي تأخذ مجراها عند سطح الأرض يمكن ملاحظتها مباشرة، ولذلك تكون مفهومة أكثر من العمليات التي تحدث داخل أو تحت سطح القشرة الأرضية.

ولكن العمليات التي تحدث في الأعماق ذات أهمية أكبر لمعرفة تاريخ تطور القشرة الأرضية، ويمكن اعتبار الأرض كنظام مغلق أو شبه مغلق بالنسبة لمعظم العناصر، والاستثناءات فقط لهذه القاعدة هي لعنصري الهيدروجين والهيليوم اللذين يتسربان بمعدل واضح من الغلاف الجوي العلوي.

وقد لعب هروب الهيدروجين دوراً مهماً في تطوّر الغلاف الجوي، كما أن عدداً من العناصر تضاف إلى الغلاف الجوي باستمرار مثل مكونات النيازك وجسيمات من الأشعة الكونية، أو كمواد ما بين الكواكب التي نفضت إلى أعلى بواسطة الأرض.

ويبدو أن هذه الإضافات لم تؤثر في كيمياوية الأرض، لذلك تعتبر الأرض كنظام مغلق تتكون من عدد من المستودعات، والتبادل بين هذه المستودعات يمكن أن يكون محسوباً بدرجة معقولة.

(الموسوعة الجيولوجية ج2/ ص191)

 

                              الحجر الأســود

تختلف أحجار قشرة الأرض كلها عن الحجر الأسود ذلك الحجر المنصوب في الركن الجنوبي الشرقي من الكعبة المشرفة، وهو الذي يبدأ منه الطواف في الحج والعمرة وهو الآن يرتفع عن الأرض بحوالي 1.5 متر، وجاء في وصف الحجر الأسود بعض الأحاديث والروايات بأنه (يمين الله في أرضه يأتي يوم القيامة له لسان يشهد لمن قبله بحق أو باطل لا يغرق في الماء ولا يحمى بالنار…)

وفي السنة الصحيحة( أن الحجر الأسود أنزله الله تعالى إلى الأرض من الجنة، وكان أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني آدم، وأنه يأتي يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به ويشهد لمن استلمه بحق)، وقد قبّله r وتبعه على ذلك أمته، ومن يعجز عن تقبيله فيستلمه بيده أو بشيء ويقبّل هذا الشيء، فإن عجز: أشار إليه بيده وكبّر، ومسح الحجر مما يكفّر الله تعالى به الخطايا والذنوب.

وقد تبين للجيولوجيين بأن (حجر الخفاف) Pumice وهو من صخور قشرة الأرض، حجر طفحي (يخرج مع ثورانات البراكين) ويتكون فوق سطح الأرض ويتعرض للبرودة التدريجية وتكثر فيه الفراغات الصخرية تبعاً لانحباس الغازات في مادته، ومن ثم يتميّز هذا الصخر بخفة وزنه وقدرته على الطوفان فوق سطح الماء.

ومن حيث التركيب المعدني لحجر الخفاف فإنه يشبه التركيب المعدني لصخر الجرانيت ومن ثم يتركب أساساً من الكوارتز (فاتح اللون) والفلسبار الأورثوكلازي والبلاجيوكلازي (داكن اللون) والميكا (سوداء اللون)، فإذا كانت نسبة الكوارتز عالية فيه فإن حجر الخفاف المخرّم يبدو أبيض اللون، وإذا كانت نسبة البلاجيوكلاز والميكا عاليتين فيه، فيبدو الحجر باللون الأسود الداكن. وفي كلتا الحالتين يطفو هذا الحجر على الماء لانحباس الغازات فيه، غير أنه لا يمكن تشبيه هذا الحجر البركاني الأصل بالخصائص الطبيعية والمعدنية للحجر الأسود، ذلك لأن الحجر الأسود أنزله الله تعالى إلى الأرض من الجنة، واختار له أن يكون منصوباً في موقعه الحالي الذي أقام عليه سيدنا إبراهيم بناء قواعد البيت والكعبة المشرفة.

وإن الحجر الأسود (الأسعد) كان لونه أشد بياضاً من اللبن، فسوّدته بعد ذلك خطايا بني آدم، أي أن لونه الأسود لا يُعزى للتركيب المعدني الصخري كما هو ذلك في حالة الحجر الخفاف الأسود اللون، وذكر ابن كثير بأن الحجرالأسود تعرّض للسرقة من قبل القرامطة (فرقة من الزنادقة الملحدين من الفرس) في عام 317 هجرياً، ونقلوه إلى بلادهم وظل عندهم حتى عام 339 هجرياً، فمكث الحجر الأسود غائباً عن موضعه من البيت العتيق ثنتين وعشرين سنة حتى عاد مرة أخرى إلى موقعه الذي اختاره الله له سبحانه وتعالى.

وعلى الرغم من أن الحاج أو المعتمر يقبّل الحجر الأسود كما قبله r إلا أنه ليس مطلوباً من المسلمين أو غيرهم من الناس أن يعبدوا الحجر الأسود (كما كان يفعل أهل الجاهلية وعبادتهم للأصنام الحجرية)، وليست العبادة واجبة إذن للحجر أو للبيت العتيق، ولكن العبادة واجبة على كل مسلم وعلى كل إنسان على سطح الأرض في كل زمان ومكان لله وحده سبحانه وتعالى رب البيت العتيق وهو رب كل ما في السماوات وما في الأرض، ويقول المولى عز وجل: }فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ{ [قريش3].

وعن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله وقال (إني أعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي r يقبّلك ما قبّلتك).

وتجدر الإشارة إلى أن بعض الجيولوجيين عثروا كذلك في مناطق متفرقة من العالم على قطع حجرية سماوية ( أي مصدرها السماء وليس قشرة الأرض )، هذه الأحجار هي عبارة عن بقايا الشهب والنيازك المتفجرة في الفضاء السماوي والتي تسقط على سطح الأرض، ومن دراسة التركيب المعدني لهذه الأحجار تبيّن أنها تتركب من معادن ثقيلة الوزن ويدخل فيها نسبة عالية من الحديد والنيكل تعرف باسم Holosiderites وهي كاملة التبلور، مما يدلّ على أنها بردت ببطء.

ويتكوّن بعضها الآخر من معادن متداخلة كثيرة تعرف باسم Syssiderites and Sporade Sidrerites، وأخرى تتركّب مع معادن Asiderites. ويقدّر عُمر بعض هذه القطع الحجرية من الشهب والنيازك بنحو 4.6 بليون سنة، وقد عثر الجيولوجيون على نماذج متعددة من هذه القطع الحجرية السماوية لبقايا مفتتات الشهب والنيازك خاصة، في مناطق جنوب غرب آسيا وفي مركز أبو حمص ومركز دنشال بالقرب من منهور في مصر، كما عثر على بقايا هذه الأحجار في مناطق متفرقة من سيبريا في روسيا وفي صحارى أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية وكذلك في جنوب إفريقية.

(د. حسن أبو العينين / سطح هذا الكوكب)

ويرى الكاتب بأن الحكمة الإلهية من تنصيب الحجر الأسود في قواعد البيت المعمور بالركن الجنوبي الشرقي من الكعبة المشرفة، وتساقط الأحجار السماوية على سطح الأرض عند انفجار وتفتت بقايا الشهب والنيازك، هو إشارة مرئية كونية توضح للإنسان، ساكن هذا الكوكب، بأن مصدر الأرض وصخورها هو السماء. فالأرض التي يسير عليها الإنسان لمسافات طويلة ظناً منها أنها ممتدة إلى ما لا نهاية ما هي إلا كوكب صغير جداً من كواكب المجموعة الشمسية، وأنها نشأت أصلاً من السماء وما حدث فيها ولها بأمر الله ومشيئته عند خلق الكون، ومن ثم بدلاً من أن ينظر الإنسان إلى ما تحت قدميه ينبغي عليه أن يتمعّن ويتبصّر في ملكوت الله الواقع إلى أعلى منه وينظر إلى عظمة الخلق بأعين متجهة إلى أعلى بخلاف غيره من الكائنات المخلوقة الأخرى التي ليست لها القدرة على فعل ذلك. وهكذا يدرك الإنسان بفطرته أن للكون إلهاً هو خالق كل شيء وهو قائم على كل صناعته من ظواهر ومخلوقات في السماوات والأرض وما بينهما.

المراجع:

  • (بحث د. زغلول النجار)
  • (من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم أ.د حسن أبو العينين)
  • (الجبال في القرآن الكريم – د. زغلول النجار، ص31-37)
  • (من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم – أ.د. حسن أبو العينين، ص490-491)
  • (من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم – أ.د حسن ابو العينين – ص 498-501)
  • (بحث د. حسني حمدان الدسوقي حمامة – المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المطهرة).
  • (كتاب البحر – ليونارد إنجيل ص267)
  • (بحث الأستاذ عبد الإله بن مصباح – بحوث المؤتمر الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة – ص19-20)
  • (القرآن الكريم والعلم الحديث – د. منصور محمد حسب النبي، ص57)

10- (محاضرات في الجيولوجيا – د. محمد فتحي عوض الله)

11- (نظرية في أصل الأرض – أوتو ثميث – دار المعارف)

12- (نظرات في الكون – د. عبد الهادي ناصر، ص381-382)

13- (الجديد في المنظار العلمي للقرآن المجيد – د. أسامة الشبراوي، ص 73, ص123 )

14- (بحث د. حسني حمدان الدسوقي حمامة – المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المطهرة).

15-  (بحث الأستاذ عبد الإله بن مصباح – بحوث المؤتمر الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، ص24-25)

16-  (بحث د. حسني حمدان الدسوقي حمامة – المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المطهرة).

17- (القرآن الكريم والعلم الحديث – د. منصور محمد حسب النبي، ص70-73)

استقرار الجبال

18- (آيات قرآنية من مشكاة العلم – د. يحيى سعيد الحجيري، ص175-177)

19-  (الجبال في القرآن الكريم – د. زغلول النجار ص84 – 85)

20- (برنامج المعجزة الخالدة، قرص مدمج)

21- (رحيق العلم والإيمان – د. أحمد فؤاد باشا ص98-99)

22-  (الجديد في المنظور العلمي للقرآن المجيد – د. أسامة الشبراوي، ص131-132)

23- ( في ظلال القرآن سيد قطب ص3793)

24- (في ظلال القرآن – سيد قطب – ص2163)

25- (المنهج الإيماني للدراسات الكونية د. عبد العليم خضر، ص283)

26- (القرآن الكريم والعلم الحديث – د. منصور حسب النبي، ص61-62)

27-  (الظواهر الجغرافية بين العلم والقرآن د. عبد العليم خضر، ص36-37)

28- (آيات قرآنية من مشكاة العلم – د. يحيى سعيد الحجيري، ص181)

29- (رحيق العلم والإيمان – أحمد فؤاد باشا، ص100)

30- (رحيق العلم والإيمان – أحمد فؤاد باشا – ص101)

31- (بحث د. حسني حمدان الدسوقي حمامة – المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المطهرة).

32- (بحث عبد الإله أحمد بن مصباح – المؤتمر الثامن للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة – ص37-39)

33-  (بحث د. حسني حمدان الدسوقي حمامة – المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة المطهرة).

34- (المنظار الهندسي للقرآن الكريم/ د. خالد فائق العبيدي، ص415-417، ص427)

35- (من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم / أ.د. حسن أبو العينين، ص419-420)

36-  (الموسوعة الجيولوجية ج2، ص187 – 188)

37- (الموسوعة الجيولوجية، ج3، ص 217 – 218)

38- (الله جل جلاله – سعيد حوى ص39)

39- (المنظار الهندسي للقرآن الكريم – د. خالد فائق العبيدي ، ص439-441)

40- (د. حسن أبو العينين / سطح هذا الكوكب).

[1] يطلق العلماء على الحد الأعلى لارتفاع بدء منطقة الثلج اسم (خط الثلج الدائم)، وهو عند خط الاستواء يبلغ نحو 5 كم في المتوسط، ويقل عن ذلك تدريجياً كلما قلّت درجة الحرارة الجوية في موقع الجبل نتيجة بعده عن خط الاستواء. وكثير من الجبال يزيد ارتفاعها عن ارتفاع خط الثلج الدائم في مناطق تواجدها، فإذا كان الفارق بين الارتفاعين كبيراً كانت الفرصة أ:بر لتراكم الثلج بكميات وفيرة.

[2] هناك ما يعرف بعملية (إنزال المطر التضاريسي) الذي يحدث عندما تعترض الجبال الشامخات هبوب الرياح المحملة ببخار الماء وتكون بمثابة (مصيدة للأمطار)، إذ تجبر الهواء الرطب على الارتفاع إلى أعلى فيبرد أكثر ويتكاثف ويسقط مطرا ًغزيراً. ')}

بواسطة |2022-02-08T17:45:19+03:00نوفمبر 27th, 2018|
اذهب إلى الأعلى