وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى
يُقدَّر قُطر الشِّعْرَى نحو (1.7) مرة قُطر الشمس، أي (6.7) مليون مرة حجم الأرض، ويبلغ مقدار لمعانها (-1.45) قدر ظاهري، أي أكبر من (25) ضعفاً من ضياء الشمس، وتبلغ درجة حرارة باطنها (22) مليون كلفن
يُقدَّر قُطر الشِّعْرَى نحو (1.7) مرة قُطر الشمس، أي (6.7) مليون مرة حجم الأرض، ويبلغ مقدار لمعانها (-1.45) قدر ظاهري، أي أكبر من (25) ضعفاً من ضياء الشمس، وتبلغ درجة حرارة باطنها (22) مليون كلفن


تُعدّ (الشِّعْرَى اليمانيّة) sirius ألمع نجوم السماء، ولا يفوقها لمعاناً سوى الشمس والقمر وكوكب الزهرة أثناء اقترابه من الأرض، وهي مِن ألمع النجوم العشرين في صفحة السماء، وتبعد عنّا (8.6) سنة ضوئية، أي نحو (600.000) ضعف بُعد الشمس، وتتميز بلونها الأزرق المائل إلى البياض.
والشِّعْرى اليمانية في الحقيقة نجمان مترافقان (الشِّعْرَى اليمانيّة أ)؛ وتبلغ كتلتها (2.1) ضعف كتلة الشمس، وتقع جهة الجنوب بالنسبة لأهل الحجاز، و(الشعرى اليمانيّة ب)؛ وهو قزم أبيض، تم اكتشافه سنة (1862م)، وسميت (الشِّعْرَى الشاميّة)؛ لأنها تقع جهة الشمال بالنسبة لأهل الحجاز أي جهة بلاد الشام، ويقع هذا الثنائي النَّجْمِي على خط واحد مع كل مِن (الكلب الأكبر- بيتا)، و(الكلب الأكبر- جاما)، في كوكبة (الكلب الأكبر)، التي تظهر بوضوح تام خلال فصل الشتاء، وتقع الشِّعْرَى الشاميّة في كوكبة أخرى تسمى (الكلب الأصغر)، ومن المتفق عليه أنّ الشِّعْرَى اليمانيّة هي المقصودة في الآية (49) من سورة النجم.
ويُقدَّر قُطر الشِّعْرَى نحو (1.7) مرة قُطر الشمس، أي (6.7) مليون مرة حجم الأرض، ويبلغ مقدار لمعانها (-1.45) قدر ظاهري، أي أكبر من (25) ضعفاً من ضياء الشمس، وتبلغ درجة حرارة باطنها (22) مليون كلفن، ودرجة حرارة سطحها نحو (10.000) كلفن، بينما تبلغ حرارة الشمس نحو (5700) كلفن، ومن المنتظر أن تستهلك الشِّعْرَى اليمانيّة ما لديها مِن الهيدروجين خلال البليون سنة القادمة، في حين يُتوقّع أن تستهلك الشمس ما لديها من الهيدروجين خلال (4-5) بليون سنة، لتصبح بعدها عملاقاً أحمر، ثم تنتهي إلى هيئة قزم أبيض.
مقارنة لون الشمس الأصفر مع لون الشعرى الأبيض:
والشِّعْرَى نجم فتيّ، بل هو مِن أصغر الأنظمة النجميّة عُمراً؛ فلا يتجاوز عمره (240) مليون سنة، أي نحو (1/20) مِن عُمر الأرض، بل حوالي (1/60) مِن عُمر الكون كله حسب تقدير العلماء.
ولضخامة هذا النجم وشدّة لمعانه وقربه منّا، فقد عرفته العرب وقدّسته وعبدته، ولا سيما حِمْيَر وخُزَاعة، كما عَبَدَ بعضُهم الكواكب، وآخرون الشمس والقمر وسجدوا لهما. ويقول ابن كثير في تفسيره: قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد وغيرهم: “هو هذا النجم الوقَّاد الذي يُقال له (مرزم الجوزاء) كانت طائفة من العرب يعبدونه”. ويقول الله تعالى مُخاطباً الكفّار: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم:49]، أي إنّ نجم الشِّعْرَى الذي تعبدونه مخلوق وليس إلهاً، والله هو ربه فهو الأحق بالعبادة.
وتُقرِّر الآية السابقة عقيدة التوحيد، وتنفي عقيدة الشرك الواهية؛ فالخلق والأمر لله وحده، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، وهو الربّ الخالق والمالك والمدبِّر لهذا الكون وما فيه من مخلوقات ودوابّ، ومن كواكب ونجوم ومجرّات مسخّرات بأمره تعالى، وكلها تُسبّح بحمده وتسجد لعظمته وتقنت لجلاله.
ويُقدَّر عدد النجوم في الكون حوالي (10 24) نجماً (1 متبوعاً أربعة وعشرين الأصفار)، ومنها المجرّات الحلزونية التي تحوي تريليونات النجوم، والمجرّات الإهليلجية العملاقة التي تحوي (100.000.000.000.000) نجم وفقاً لتقديرات علماء الفلك، ويتوقّع العلماء وجود أكثر مِن (170) بليون مجرّة في الكون، تمتدّ إلى منطقة مساحة (13.8) بليون سنة ضوئية بعيداً عنّا في جميع الاتجاهات، ولو تصوّرنا الرقم السابق حبّات مِن خردل، يبلغ وزن الواحدة منها أقل من (1/1000) من الجرام، لكان وزن هذا العدد (1.000.000.000.000) طن، وهو وزن لا تستطيع جميع الشاحنات في الأرض أن تحمله؛ فهو يبلغ ما تُخرجه الأرض من بطونها في (3000) عام من كل من: الخضار والفواكه والثمار والحبوب والأعشاب، ومن النفط والغازات الطبيعية والحديد والمعادن، ومن الرمل والحصا والأحجار وغيرها. وكذلك لو تصوّرنا أنّ طول كل نجم منها يبلغ 1 نانو (1/1000) من الملم، لكان طول هذه النجوم حوالي (1.000.000.000.000) كلم (تريليون كلم)، أي حوالي (6.7) مرة، المسافة بين الأرض والشمس.
والله فاطر السماوات والأرض، هو الذي أضاء سراج (الشِّعْرَى) منذ ميلاده قبل نحو (240) مليون عام، وجعله يدور حول محوره بسرعة (16) كلم/ الثانية، وجعل له فلكاً لا يتعدّاه، وما الشِّعْرَى إلا مصباح من حوالي (1.000.000.000.000.000.000.000.000) مصباح تُزيِّن السماء الدنيا، وذلك حسب أحدث التقديرات الفلكية، وهذا العدد من النجوم لا يستطيع أهل الأرض جميعاً والبالغ عددهم (7.3) بليون نسمة أن يعدّوه لو كانوا جميعاً يعدّون 100 نجم في الدقيقة الواحدة إلا بعد مضيّ (3.000.000) عام، أي قبل زمن ميلاد الإنسانية كلها.
ويُعدّ النجم VY Canis Majoris أحد هذه المصابيح، وهو من أحدثها ميلاداً، فلا يتجاوز عمره (10) مليون عام، ويبلغ قطره حوالي (2.400.000.000) كلم، (1750) مرة قطر الشمس، وإضاءته حوالي (300.000 – 500.000) مرة قدر إضاءتها، ويبعد عنّا أكثر من (4900) سنة ضوئية؛ أكثر من (570) مرة بعد الشِّعرى و(320.000.000) مرة بعد الشمس، وعند مقارنة الشمس معه ظهرت كأنها كالميكروب بالنسبة للإنسان، مع أنّ عُمر هذا النجم لا يعادل (2/1000) من عُمر الشمس، إلا أنّ حجمه يبلغ حوالي (5.400) مليون مرة من حجمها، هذا مع العلم أنّ حجم الشمس بالنسبة للأرض حوالي (1.350.000) مرة، فتأمّل أين نحن سكّان الأرض من حجم هذا المصباح؟!
وفي الوقت الذي ينحصر فيه العلماء في أثناء دراسة النجوم والمجرّات إلى معلومات إحصائية مجرّدة، لا تزيد الناس إيماناً، ولا تقرّبهم مِن الله الخالق، ولا تدلُّهم على عظمته، بينما تربط الآيات القرآنية بكلمات معدودات الناس بخالق الإنسان والكون والحياة وترفعهم إلى أعلى المقامات العلمية الإيمانية؛ مقام أُولي الألباب الذين يتفكّرون في خلق هذا الكون، وما فيه من أسرار القدرة والعظمة والتقدير والتدبير؛ فالله هو رَبّ الشِّعْرَى، ورَبّ النجوم جميعاً، وهي جميعاً مُسَخَّرات بأمره، وهو كذلك رَبّ السماوات ورَبّ الأرض، رَبّ العالمين.
وما اختيار نجم (الشِّعْرَى) نموذجاً من نجوم الكون إلا للدلالة على عظمة خالقه ومُدبِّر أمره، وهو النجم اللامع الذي يراه كل أهل الأرض، وما اختياره في سورة (النجم) أيضاً، وما افتتاح السورة بالقَسَم بالنجم، إلا دلالة على عظمة النجوم في هذا الكون، والتي لا يعرفها كثير من الناس في الوقت الحاضر؛ فما بالك في الوقت الذي أُنزلت فيه هذه الآيات على أُمّة أُميّة لا تعلم شيئاً من علوم الأرض، ناهيك عن علوم الفلك والفضاء.
ونزلت مئات الآيات القرآنية من خالق السماوات العُلى، لتفتح آفاق الكون على مصراعيها، داعية كل علماء الجيولوجيا والطبيعة والفلك والطاقة والفيزياء والمياه والزراعة والحيوان للتفكّر في خلق السماوات والأرض، ولدراسة هذا النجم الفتيّ اللامع، وسائر النجوم والأقمار والكواكب، ليصلوا من خلالها إلى الإيمان بالله الخالق، وعبادته وعدم الإشراك به شيئاً، وهي أيضاً دعوة لهم ليدركوا إعجاز هذا القرآن العظيم في اختياره رقم الآية (49) لتشير إلى الشِّعْرَى؛ ذلك الرقم الذي أثبت فيه العلم الحديث من خلال الفيزياء الفلكية والمراصد الضخمة أنّ الشِّعْرَى الشاميّة تدور حول الشِّعْرَى اليمانيّة مرة واحدة كل (49) عاماً؟ وهي حقيقة لم يكتشفها العلماء إلا قريباً.
أليس الذي فطر السماوات ووضع النجوم في مساراتها، وجعل كلّ نجم فيها سراجاً وهّاجاً، هو الذي أنزل القرآن العظيم؟ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37].
')}