” والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ” ( الذاريات / 47 ).
اقتباس (تغيير الصورة)
اقتباس (تغيير الصورة)


إذا انتقل القلب من عالم الأرض على ضخامتها واتساعها، وتعدد حيواناتها، وتنوع نباتاتها، ووفرة مياهها، وكثرة ينابيعها، وامتداد أنهارها، واختلاف معادنها، وتباين مزروعاتها، وتغير تضاريسها، إلى عالم السماء الواسعة السامقة العالية، الممتلئة بالنجوم، المرصّعة بالكواكب، المزدانة بالشموس، والمزهوّة بالأقمار، المتناثرة بالمجرات، وهي تفيض جلالاً وجمالاً، ضخامة ورهبة، سكينة واطمئناناً، وتمتلئ أسراراً وأخباراً، حيث يتطلع الناس إلى نهارها الواضح الباهر الجاهر، وأصيلها الفاتن الرائق الساحر، وغروبها البديع الفريد، وليلها المترامي ونجومها المتلألئة وحديثها الفاتر وشروقها الجميل الساحر، يتأملونها بعقولهم ويخشعون إليها بقلوبهم ويرنون إليها بأفئدتهم.
وفي عالم السماء تتوارى الأرض حجماً، وتتوارى وزناً، وتنمحي أثراً، وتذوب في هذا العالم كما تذوب حبة الملح في مياه المحيط، كيف لا وإن خلق السموات يعني خلق هذا الحشد الهائل من الأفلاك والمسارات والنجوم والكواكب والسدم الكونية والمجرات التي لا تزيد فيها أرضنا أن تكون هباءة أو ذرة تائهة في هذا الغبار الكوني اللانهائي.
من الذي رفع السماء بلا عمد .. ونثر فيها النجوم بلا عدد؟؟! إن عدد نجوم السماء لا يمكن التعبير عنه بالألفاظ ولا عدّه بالحاسبات ولا تصوره بالعقول. فكيف إذا أردنا تصور أوزان النجوم نفسها والفراغ الهائل الذي يحتويها والتناسق العجيب بين المدارات والأفلاك والحركات وما بينها من مسافات وأبعاد تحفظها من التصادم والخلل والتخلف والاضطراب وتجعل كل شيء من أمرها بمقدار.
إن هذه السماء المبهرة التي بناها الخالق العظيم بهذه السعة المبهرة، والانضباط في الحركة والإحكام في العلاقات، والارتباط بتلك القوى الخفية، والإشعاعات غير المرئية التي تتحرك كأمر كوني واحد وبسرعات كونية عظمى لتربط بين بلايين النجوم والكواكب والكويكبات والأقمار والمذنبات في داخل المجرات، كما تربط مئات البلايين من المجرات مع بعضها في ركن السماء الدنيا التي لا يستطيع العلم إدراك أبعادها ولا تحقيق ما فوقها.
إن ساعاتنا لو دقّت (1000.000.000) عام فإن عدد دقاتها لا تساوي عدد الأميال التي تفصلنا عن بعض النجوم المضيئة المترامية في صفحة هذه السماء الدنيا. ولو حاولنا أن نقوم بعدّ هذه النجوم بمعدل 200 نجم في الدقيقة الواحدة لاحتجنا إلى 100.000.000.000.000 (100.000 بليون) سنة لعدّها.
ولو كانت لدينا مكتبة تحوي (50.000.000) مجلد ونستطيع قراءتها في (1.000.000) عام فإن كرتنا الأرضية منسوبة إلى هذا الكون لا تعادل نقطة فوق حرف بالنسبة لمجموع أحرف هذه المكتبة.
ويبلغ عدد النجوم في الجزء المرئي من الكون قرابة 10 22 نجماً أي 10.000.000.000.000.000.000.000 وهذا الرقم أكبر من عدد حبات رمال جميع بحار الأرض، كما أنه أكبر من حروف 50 مليون مليون مليون مجلد يتكون فيه كل مجلد من (500) صفحة وتشكل الكرة الأرضية حرفاً واحداً من هذه الأحرف.
أما كتلة المادة التي يحتويها هذا العدد الهائل من النجوم فتزيد عن (2.3 مليون مليون مليون مليون مليون مليون مليون مليون) (2.300.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000.000) طن.
أما سعة هذا الكون المسموع بالهوائيات فلا يتجاوز ما تم اكتشافه منها حتى الآن (38.000.000.000) سنة ضوئية، كما تقدر المسافة التي يقطعها الضوء في السنة الواحدة ما يعادل (10.500.000.000.000) كم، علماً بأن سرعة الضوء تقدر بـ 300.000 كم/ ث وأن السنة الضوئية تعادل 31.557.600 ثانية، وأن أبعاد هذا الكون المسموع بالهوائيات يقدر بـ 400.000.000.000.000.000.000.000 أي 0.4 مليون مليون مليون مليون كم.
الخريطة الكونية:
وإذا ما أردنا أن نقوم بعمل خريطة لهذا الكون بمقياس رسم مناسب حيث قمنا بتمثيل قطر الكرة الأرضية ليصبح 1 ملم فـقط أي باستعمال مقياس رسم 1: 300.000.000.000 فإن أبعاد خريطة الكون الجديدة سوف تزيد عـن (300.000.000.000) قطر الكرة الأرضية. وفي هذا النموذج المصغر للكون تكون الشمس كحبة ليمون قطرها 10 سم موضوعة على بعد 12 متراً من الأرض حيث يمتد أقصى بُعد لهذه الخريطة مسافة (300.000.000) كم، وسسوف يحتاج الضوء 1000 ثانية حتى يقطعها وهذه المسافة هي ضعف المسافة بين الأرض والشمس.
وفي هذه الخارطة يبعد أقرب نجم عن الأرض مسافة 2800 كم، وهي المسافة بين مكة وأنقرة تقريباً. ويبلغ حجم الفراغ الذي تحتله مجموعتنا الشمسية إذا كان قطر الكرة الأرضية 1ملم أكبر من 80.000.000.000 كم3 أوبعبارة أخرى تشكل مكعباً قطره 4.400 كم، علماً بأن الكيلومتر الواحد يعادل مليون ملم.
ويمكن رؤية مجرة درب التبانة من أي مكان على الأرض كما يمكن رؤية مجرة أندروميدا (المرأة المسلسلة) وهي تبعد أكثر من 2.000.000 سنة ضوئية من نصف الكرة الشمالي فقط، وكذلك يمكن رؤية الغيوم الميغالينية الصغرى والكبرى وهما مجرتان أخريان تبعدان 20.000 سنة ضوئية من نصف الكرة الجنوبي للأرض فقط. وهكذا تستطيع أعيننا رؤية أربع مجرات من الأرض، ويعتقد الفلكيون أنه قد يكون هناك 10.000.000.000 مجرة.
ويمكن تخيل بنية وحجم الكون والمسافات اللازمة بعدة أمثلة: فالسنة الضوئية تبلغ قيمتها 9.46 تريليون ميلـاً “10 13” 10 مليون مليون كم، وسيبلغ مدار القمر حول الأرض مكعباً يبلغ كل من طوله وعرضه وعمقه مليون أي (10 6) كم، وسيملأ النظام الشمسي كله جزءاً صغيراً من المكعب الذي يبلغ حجمه (10 12) 1.000.000.000.000 أو 1/10 سنة ضوئية، وسيكون الباقي فضاءً. ويظهر لنا هذا المثال كم يبعد حتماً أقرب نجم عن الشمس، فإن مكعباً يبلغ طول ضلعه 10 18 كم (مليون مليون مليون)، سيبلغ نحو 100.000 سنة ضوئية لكل ضلع وستضم هذه المنطقة مجرة درب التبانة.
ويبعد نظامنا الشمسي في هذا النموذج حوالي 30.000 سنة ضوئية عن مركز مجرة درب التبانة. وستحوي منطقة يبلغ طول ضلعها 100.000.000 سنة ضوئية آلاف المجرات، في حين يدّعي العلماء أنهم قد رصدوا ملايين المجرات بواسطة مقرباتهم. وللمجرات (طرائق) أو أفلاك، كما أن لمناطق المجرات ونجومها المستقلة علاقات منسجمة مع بعضها البعض على الرغم من عددها الكبير، وهي تتراكب واحدة فوق الأخرى وتظهر على شكل عناقيد بتأثير جاذبيتها، حيث لا تضلّ عن مداراتها ولا يصدم بعضها بعضاً لئلا تقع الفوضى في السماوات ويختل الانسجام في الكون. قال تعالى (وكلُُ في فلك يسبحون). ويعتقد العلماء منذ الخمسينات في القرن الماضي أنهم يقتربون من معرفة كيف ومتى تشكّل النظام الشمسي، فهم يعتقدون أن مجرة درب التبانة تشكلت قبل 10- 15 بليون سنة. كما تشير بعض نظريات أحادية الحقيقة إلى أن كل أجزاء النظام الشمسي تشكّلت من غيمة غازية واحدة في وقت واحد، والتي يمكن أن تكوّن الدخان المذكور في الآية الكريمة: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين) (فصلت: 11). وقد درس العلماء النشاطات الإشعاعية للشهب التي تسقط على الأرض، وكذلك الصخور القمرية والتراب جلبه روّاد الفضاء، فرأوا أن نظامنا الشمسي تشكل قبل 4.6 بليون سنة.
وكذلك لو أردنا إعادة رسم خارطة الكون حيث تم توضيع مجرة درب التبانة التي يبلغ طولها 100.000 سنة ضوئية على خارطة مساحتها 50 متراً فإننا نحتاج إلى أن نضع قرصاً بنفس القطر على بعد 800 متر للحصول على مجرة المرأة المسلسلة. كما يجب أن نسافر عدة أميال حتى نلتقي بمجرة أخرى ونحتاج إلى أن نضع أقراصاً أخرى على شكل عدسات يبعد إحداها عن الآخر ميلاً في المتوسط بحيث تغطي مساحة هذه الخارطة مساحة الولايات المتحدة التي تبلغ 9.363.000 كم2 ، أي أكبر من 100 مرة مساحة الأردن تقريباً.
وفي هذا القرص الذي يمثل مجرتنا نحتاج إلى أن نضع أكثر من 130.000.000.000 نجم. وفي هذا التمثيل تصبح السنة الضوئية التي تعادل 10.000.000.000.000 كم ما قيمته 1/50 من البوصة (نصف مليمتر) وتصغر النجوم التي قطرها مليون ميل كالشمس إلى بقع لا ترى بالميكروسكوب. فأين تقع الأرض من هذه الخريطة التي يبلغ قطرها 0.007926 مليون ميل. ومن ثم فأين يقع الإنسان ؟؟
وإذا كانت المسافة بين الأرض والشمس متراً واحداً فإن سعة مجرتنا تبلغ 621.000 كم، أي ما يعادل 100 مرة نصف قطر الكرة الأرضية، فتأمل سعة ملك الله الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً !! (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) (ق: 37).
ولو أردنا أن نعيد رسم خارطة الكون بصورة أخرى فإني أنقل ما كتبه الأستاذ سيمون نيوكوم في كتابه عن الفلك ما يلي:
(لو تصورنا أن الكرة الأرضية ممثلة على هذا النموذج بحبة خردل فإن القمر يمثل ببذرة قطرها حوالي (1/4) حبة الخردل وعلى مسافة بوصة منها. وتمثل الشمس بتفاحة كبيرة مضيئة على مسافة 40 قدماً، أما الكواكب السيّارة الأخرى فإنها تتراوح في الحجم من الذرة التي لا تُرى إلى حجم حبة البازلاء وتقع على مسافات من التفاحة المضيئة (الشمس) ما بين 10 قدم – 1300 قدم ويتحرك كل منها حول الشمس. وتتم دوراتها المختلفة حولها في أزمان تتراوح بين 3 أشهر – 160 سنة. وبما أن حبة الخردل (الأرض) فيجب أن نتصور القمر مصطحباً إياها مع دورانه حولها كل شهر مرة.
وتشغل المجموعة الشمسية على هذا النموذج مساحة نصف ميل. وبعد ذلك لا بد لنا من أن نقطع فضاءً مساحته أعرض من قارة أمريكا دون أن نرى جرماً سماوياً واحداً غير ما نصادفه من مذنبات مبعثرة حول الحافة. وعلى بعد كبير من حدود هذه القارة نعثر على أقرب نجم إلينا ويمكن تمثيله بالشمس في حجم تفاحة كبيرة. وتوجد نجوم أخرى مترامية في مساحات أكبر من المساحة السابقة ولكن هذه النجوم تبعد في المتوسط كما تبعد النجمة الأولى عن الشمس. وفي هذا النموذج الذي تبلغ مساحته كمساحة الكرة الأرضية أي حوالي 645.000.000 كم2، فإنه لن يتسع لأكثر من مساحة نجمين أو ثلاثة فقط.
وإننا لنرى أننا لو قمنا بالطيران خلال هذا الكون ممثلاً في هذا النموذج الصغير فإننا نمر على هذا الجسم الصغير الحقير المسمى بأرضنا دون أن نراه حتى ولو قمنا بالتفتيش الدقيق عليه، ويكون مثلنا بذلك مثل قبطان طائرة يطير خلال وادي المسيسبي يبحث عن حبة خردل يعرف أنها كان مخبأة في مكان ما على القارة الأمريكية. وحتى تلك التفاحة المضيئة التي تمثل الشمس ربما لا ترى إن لم نمر بالصدفة قريباً منها).
(وإذا مثلنا المسافة بين الأرض والشمس بالميكرون (أي أن جزءاً من ألف جزء من المليمتر يمثل 7.941 مليون كلم) فإن قطر مجرتنا يبلغ بهذا القياس 6.3 كم ومجرة أندروميدا المجاورة لمجرتنا تصبح على مسافة 127.6 كم.
وتفصل مسافات هائلة هذه النجوم والمجرات عن بعضها البعض وتقدر هذه المسافات بنسبة 1: 50.000.000 ضعف أقطارها، وإن احتمال تصادم تجمين من هذه النجوم التي تملأ صفحة السماء هو بنسبة 1: 1.000.000.000 وهو كاحتمال تصادم قاربين أحدهما يسير في البحر الأبيض المتوسط والآخر في المحيط الأطلسي بنفس السرعة وعكس الاتجاه.
ولو تصورنا نجماً قطره متراً واحداً فإن متوسط المسافة بينه وبين سائر النجوم من حول يبلغ 50.000.000 وهو يعادل 4 أضعاف قطر الكرة الأرضية. أما المسافة بين المجرات فتبلغ 100 ضعف قطر المجرة نفسها.
فإذا كان طول قطر مجرتنا 100.000 سنة ضوئية، وأن أقرب مجرة إلينا هي مجرة الأندروميدا وهي التي تبعد 2.300.000.000سنة ضوئية، فإن بعدها عنا يعادل23.000 مرة قطر مجرتنا. أي أنها تبعد 23.000.000.000.000.000.000.000 (2.3×10 21)كم.
هذا ويمكننا تشبيه الكون الذي نعيش فيه بمكتبة عملاقة بها مثلاً ديشليون 10 33 كتاب، وكل كتاب به نيفيليون 3010 صفحة، وكل صفحة بها ويتيليون 2710 كلمة، وكل كلمة بها سيزيليون 2110 حرف، وأحد هذه الأحرف هو حرف الـ (ن)، وبالقلم الرصاص وعلى استحياء – وأقول على استحياء – نضع النقطة في قلب النون، فهذه النقطة بالنسبة للمكتبة هي مجرتنا، ولا أقول منظومتنا ولا كوكبنا، بالنسبة للكون !!.
وكذلك يمكننا تصور الاتساع المذهل للكون إذا ما صنعنا نموذجاً مصغراً لمنظومتنا الشمسية، وكانت وحدة القياس في النموذج هي المتر التي تقابل 3 ملايين كيلو متر في الحقيقة. في هذا النموذج سنجد أن المريخ يبعد عنا 18 متراً بينما تبعد الزهرة 14 متراً، أما أبعد الكواكب عنا وهو بلوتو فسيكون على بعد 2 كيلو متر من الأرض. أما أقرب النجوم إلينا، ألفا قنطورس، فسيبعد عنا بنحو 13500 كيلو متر، على حين تكون أقرب المجرات إلينا وهي المرأة المسلسلة (الأندروميدا)، على بعد 6 مليون مليون كليومتر في النموذج نفسه!!.
فأين يقع الإنسان سيد هذه الأرض من هذا الكون؟ وأين نحن من 100.000.000.000 مجرة؟ وأين نحن من 10.000.000.000.000.000.000.000 نجم.
ولنتأمل معاً الحديث المقدسة الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.
فسبحان الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن، وسبحان الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين، وسبحان الذي أعدّ لعباده المتقين جنة عرضها السماوات والأرض.